بين تعهّدات لبنانية رسمية وغير رسمية بتنفيذ القرار 1701، يظهر عدم ثقة الزوار الغربيين بإمكان أن يفي لبنان بتعهّداته بإعادة برمجة هذا الاتفاق بما يتلاءم مع المطالبة بوقف النار
سمع أكثر من زائر أوروبي وأميركي من جهات رسمية تعهّدات واضحة بتطبيق القرار 1701 نصّاً وآلية تنفيذية وتعهدات بضمان العمل بموجباته حرفياً. وسمعوا كلاماً فنّد فيه مسؤولان رسميان بنود تنفيذ الاتفاق وكيفية العمل على ترجمته عملانياً، وإعادة استتباب الوضع جنوباً بمعيّة الجيش والقوات الدولية، مقروناً بتطمينات بالالتزام التام به.
ما لم تسمعه الجهات الرسمية هو ما يقوله هؤلاء الزوار لدى مغادرتهم لبنان حول عبثية الكلام اللبناني الرسمي حيال تنفيذ القرار 1701، وفقاً لما وصل إليه الوضع اللبناني سياسياً وعسكرياً، مشيرين إلى أنهم سبق أن سمعوا هذا الكلام خلال سنة من حرب الإسناد من دون ترجمته، وأن الأمر لا ينحصر بنطورات السنة الماضية، بل بما حصل منذ صدور القرار عام 2006 في عهد الرئيس إميل لحود.
فمنذ صدوره، انتُخب رئيسان للجمهورية (ميشال سليمان وميشال عون)، وحكمت 9 حكومات منها حكومات وحدة وطنية وحكومة طرف واحد وتسلّم رئاسة الحكومات 5 رؤساء حكومات (فؤاد السنيورة وسعد الحريري المفترض أنهما من خصوم حزب الله، ونجيب ميقاتي وتمام سلام وحسان دياب)، ومرّ على قيادة الجيش ثلاثة قادة (ميشال سليمان وجان قهوجي وجوزف عون)، ومع ذلك لم ينفّذ القرار 1701 على مدى 18 عاماً. لا بل إن لبنان، طوال هذه السنوات، غضّ النظر عن مجريات تنفيذه، وخرقه لبنان وإسرائيل والقوات الدولية الـ»يونيفل» بحسب المعطيات التي تتداولها الأوساط الغربية، وفق ما تظهره وقائع الميدان الحالي من اعتداءات إسرائيلية سابقة، إضافة الى الحرب الحالية التي أعلنتها إسرائيل على لبنان، ومن وجود سلاح في المنطقة التي يفترض أن تكون خالية منه ومن التحصينات، وغضّ نظر القوات الدولية في الوقت نفسه عن كل ما شهده الجنوب طوال السنوات الماضية، بما يعدّ كذلك خرقاً للقرار ولمهمة اليونيفل، علماً أن لبنان لم ينتبه الى مجريات هذا القرار إلا عند التجديد للقوات الدولية ولحظة كان يدور فيها اشتباك حول بعض عملياتها أو المطالبة بتوسيعها. وعلى مدى 18 عاماً، لم يبحث أيّ طرف احتمال الانتقال من «وقف الأعمال العدائية» الى وقف للنار، واستمر الـ 1701 كعنوان لخطب سياسية وتكراراً للازمة تمسّك لبنان بالقرارات الدولية.
وهذا يؤدي الى سؤال محوري: كيف يمكن للبنان اليوم، في حالته الراهنة، أن يضمن حسن تنفيذ القرار الدولي، ومن هي الجهة المخوّلة التعهّد بضمان تنفيذه فيما لم يتمكن من تنفيذه حين كان يعيش نوعاً من الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، ووفق رعاية عربية سمحت بإعادة إعماره بعد حرب تموز وتشكيل مظلة أوروبية – أميركية لانطلاق عمل القوات الدولية، وتعزيز قدرات الجيش. فيما يعيش اليوم انهياراً كاملاً على كل مستوياته ولا توجد فعلاً تغطية سياسية رئاسية وحكومية فاعلة لضمان حسن تطبيقه؟ كما أن لبنان لم يتبقّ له بعد كل ما جرى منذ حرب الإسناد سوى عوامل مقلقة لا تسمح له بأن يقدم تعهّدات ملزمة يمكن الركون إليها لتطبيق القرار الدولي.
منذ عام 2006، تعزّز، أولاً، دور إيران في لبنان، وما كان يشكل دوراً خلفياً في مرحلة حرب 2006، تفاعل الى حد كبير في السنوات الأخيرة، مع دخول الحزب الى سوريا، وتضاعف حكماً في حرب الإسناد، ولا سيما بعد اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. هذا يعني أن آليات تنفيذ القرار 1701 لم تعد حكراً على تعهّد لبناني رسمي يتعلق بدور الجيش وطريقة انتشاره وآليات التنفيذ، بل صار له حكماً جانب أساسي يتعلق بإيران.
آليات تنفيذ القرار لم تعد حكراً على تعهّد لبناني يتعلق بدور الجيش وطريقة انتشاره
ثانياً، إن الضربات التي تعرّض لها حزب الله على المستوى القيادي والعسكري تشكّل كذلك عاملاً مساعداً في طريقة مقاربة ما بعد حرب أيلول وما تلاها، في كيفية مواجهة تنفيذ القرار الدولي عملانياً، لأن إسرائيل في هذا الشق، تعتبر بحسب ما تضغط على واشنطن من أنها صارت أقرب الى تنفيذ متطلبات إخلاء المنطقة من السلاح، بفعل قوة النار. وهذا الأمر يشكل بالنسبة إليها بنية أساسية في تنفيذ القرار الدولي آنيّاً بكل مندرجاته، وليس مجرّداً من كل ما يحيط به ويعتبر في صلبه كذلك، قبل الانتقال الى مرحلة متقدمة من كل ما هو مطروح من قرارات للتنفيذ خلال التفاوض.
ثالثاً، غياب التوافق الخارجي على مصير القرار الدولي، بين أكثر من رؤية أوروبية متناقضة حيال مستقبل القرار ومصير اليونيفل وإمكان إحداث تحوّل في مهماتها، ونظرة أميركية مشكّكة فيه، قبل انجلاء صورة المعركة التي يظهرها الجانب الإسرائيلي أنها ضمانة أكيدة لمتغيّرات على الأرض تسمح للمفاوض الأميركي والإسرائيلي بأن يضعا شروطاً على لبنان بحيث يضمنان مستقبلاً تنفيذاً يختلف عن مراحل السنوات الماضية. هذا كله إذا بقي التفاوض ولو شكلياً على القرار المذكور ولم ينتقل فعلياً الى مرحلة يطالب فيها الأميركيون والإسرائيليون بضرورة الانتقال الى البحث في صيغة مختلفة للحل.