IMLebanon

القرار 1701: إدخال الجَمَل في خرم إبرة

 

 

ما سُمع من سفير عربي بارز اخيراً كفيلٌ برسم صورة ليست قاتمة فحسب، بل سوداء لما يمكن تصوّره في المرحلتين الحالية والمقبلة في الحرب الدائرة بين اسرائيل وحزب الله. ما يتحدث عنه ثلاث:

ـ ما لم تتيقن اسرائيل من «نهاية» حزب الله عسكرياً وتصفية كيانه المسلح لا وقف للنار.

ـ لا عودة لأهالي الجنوب الى بلداتهم وقراهم في عمق قررته اسرائيل يبدأ من الخط الازرق الى الشمال، هو مبرر إلحاق الخراب والدمار الكامل في البلدات والقرى، لا سيما منها المتاخمة للشريط الحدودي بجعلها ليس بقعة عازلة مدمرة محروقة فقط، بل أرضاً يابسة غير صالحة للحياة. ما قاله ايضاً بأسى: «المطلوب من الجنوبيين ان إنسوا الجنوب».

ـ لا عودة للجنوبيين الى ارضهم ما لم تقترن بما هو ابعد بكثير من اتفاق وقف النار: الذهاب الى تسوية سلمية.

سواء غالى السفير العربي في تصوّره او ربما كتم فيه ما هو اسوأ، تشي الحال بدقته. بينما تسود الشكوك ما يثار يوماً بعد آخر عن فرص لاتفاق سياسي يسبقه وقف للنار يتحدث عنه بتفاوت الاسرائيليون او الاميركيون، تبدو الحرب بضراوتها وعنفها الحقيقة الوحيدة المعلنة حتى الآن عند الاسرائيليين كما عند حزب الله. كلاهما يريدانها على انها المعترك الفعلي حتى إشعار آخر. كلاهما ايضاً، خلافاً للبنان الرسمي، لا يتكلمان عن القرار 1701 كاتفاق سياسي، ويبدوان غير آبهين بوقف للنار ما لم يكن مشروطاً بما يتطلبه منه كل منهما: اسرائيل تريد ما يشبه استسلام حزب الله وإشهار تخليه عن سلاحه نهائياً وتالياً الاعتراف بانتهاء كيانه المسلح، وحزب الله يريد بصمود مقاومته ومقدرته العسكرية على مواجهتها داخل اراضيها كما داخل الاراضي اللبنانية على انه مستمر لم يفقد المبادرة والدور والترسانة والموقع الاقليمي والحلفاء وثبات عقيدته والولاء الديني.

حيال كلتيْ سلبيتيْ طرفيْ الحرب الدائرة، يمسي المعلوم الوحيد ان القرار 1701 غير قابل للتنفيذ في المدى القريب. بل يكاد يُنظر اليه كمَن يحاول إدخال جَمَلٍ في خُرم إبرة ليس الا.

الاسباب شتى:

أولها، عجز مجلس الامن بصفته مرجعيته عن فرض تطبيقه، بعد عجزه عن فرضه على طرفيْ الحرب في لبنان وقفاً فورياً للنار توطئة للذهاب الى تنفيذ القرار. من دون موافقة الاميركيين لا قرار بوقف للنار يصدره مجلس الامن الذي أضحى اخيراً على صورة لبنان الرسمي، عاجزاً عن اي دور يضطلع به سوى التباكي والنواح على ما يجري. ومن دون ارادة الاميركيين في فرض وقف النار على اسرائيل، ستظل الحرب الضارية مستعرة.

 

سفير عربي: اسرائيل ستبقي الجنوب مدمراً محروقاً يابساً بلا عودة أهاليه

 

ثانيها، شأن القرار 1559، ليس في القرار 1701 آلية تنفيذية كانت في الاسابيع الاخيرة مدار تفاوض بين رئيس البرلمان نبيه برّي والموفد الاميركي الخاص عاموس هوكشتاين وتأكيد برّي اتفاقهما على آلية تنفيذية محدثة لقرار مجلس الامن لا تزال تنتظر جواب اسرائيل عنها. مذ وُضع القرار 1701، ومن قبله عام 2004 القرار 1559، عُهد الى الجهة المعنية (لبنان في القرار 1559 ولبنان واسرائيل في القرار 1701) تنفيذ كل منهما، في زمانه، تطبيقه فيما المفترض تولي الامين العام للامم المتحدة وضع الآلية هذه، وإلزام الدولتين المعنيتين اياها ما دام سيتقدم دورياً بتقارير عن مراحل تنفيذهما. ذلك ما لم يحصل. دُعيت الدولة اللبنانية الى تنفيذ القرار 1701 كونه على أراضيها بمساعدة القوة الدولية في الجنوب، وهو ما كُلف الجيش اللبناني توليه: تنفيذه بمؤازرة رجال القبعات الزرق. آنذاك، بالتراضي، طبقته اسرائيل بسحب قواتها من الاراضي اللبنانية، وحزب الله مقاتليه الى شمال نهر الليطاني. اذا القرار يطبّق كما لو انه هدنة موقتة طويلة قبل ان تنفجر تدريجاً منذ 8 تشرين الاول 2023. ما يدور حالياً بات اسوأ بكثير مما كان عشية صدور القرار 1701. انتهى المطاف به اليوم بأن اضحى معدوم الوجود الا على الورق. ما قاله برّي أخيراً، معوّلاً على الآلية التنفيذية المحدثة المتفق عليها مع هوكشتاين، انها قارب نجاة يصير الى مباشرة تطبيقها فور وقف شامل للنار. بيد ان المواقف المدلاة في العلن على الاقل لكل من اسرائيل وحزب الله في وجهة معاكسة تماماً.

ثالثها، لأن القرار 1701 يقع تحت الفصل السادس، يتعذّر فرض تطبيقه على كليْ طرفيْ الحرب ما داما يرفضان الاحتكام اليه على نحو صيغته القانونية النافذة الحالية. الذهاب به الى الفصل السابع أقرب ما يكون مستحيلاً لتوفير اجماع اعضاء مجلس الامن عليه، اضف ان الانتقال به من فصل الى آخر تعديل جوهري لن يحظى بإجماع التصويت عليه كما عام 2006 باقترانه آنذاك بالفصل السادس. بذلك أضحى تنفيذ القرار رهين الوقائع العسكرية التي يراهن عليها طرفا الحرب على ان احدهما سيخرج رابحاً اخيراً.

رابعها، تبعاً لمواقفها الاخيرة، المتكررة يوماً بعد آخر، ما بات يعني اسرائيل في القرار 1701 تجاوزها إبعاد حزب الله من جنوب نهر الليطاني الى محاولتها هي فرض تجريده من سلاحه على كل الاراضي اللبنانية، وتالياً فرضها بالقوة تطبيق القرارين 1701 و1559. ما تتطلبه للغاية هذه بالممارسة – المتعذرة في نص القرار 1701 – منحها امتيازاً لم يُجزه لها، هو تعقّب مقاتلي الحزب وبناه القيادية والقاعدية العسكرية حيث يكون في اي مكان في لبنان، بما فيه الحدود البرية والبحرية لمنعه من اعادة بناء قواه وترسانته على غرار ما انتهت اليه حرب 2006. تهمل بذلك البند الاول في القرار النافذ وهو «وقف الاعمال القتالية» بتعطيله، بغية الابقاء في المرحلة المقبلة على حال الحرب قائمة بينها وحزب الله تطارده كيفما ساورتها شكوك بالتقاطه انفاسه. ذلك الامتياز هو مصدر ريبة المسؤولين اللبنانيين في عدم تلقيهم بعد جواب الدولة العبرية عن الآلية المقترحة مع هوكشتاين. كمنت الريبة كذلك في البروتوكول الجاري الحديث عنه بين الاميركيين والاسرائيليين على نحو منفصل عن لبنان كجزء لا يتجزأ من مسودة تفاوض تُفرض عليه وتحظى بدعم واشنطن، على ان البروتوكول ملحق مكمّل للآلية التنفيذية المحدثة للقرار.