لا يأتي مسؤولو “حزب اللّه” على ذكر القرار 1701 في أيّ مناسبة إلّا من باب تعداد “الخروقات الإسرائيليّة” له. لا يعلنون الالتزام به. لا سابقاً ولا مستقبلاً. لا يدّعون أنّه الإطار القانوني المرجوّ لإنهاء الحرب. وهم في ذلك يستحقون الثناء. صادقون مع أنفسهم ومع الناس. أمّا مسؤولو الدولة اللبنانية، فلا ينفكّون عن ذكر القرار الأممي، وقد أصبح لازمة في كل حديث، أكان مع اللبنانيين أم مع الأجانب. نفاق الـ 1701 لا ينافسه إلّا النفاق المرتبط بالالتزام بحرفية اتّفاق الطائف (من نزع سلاح الميليشيات إلى تشكيل الحكومات). لا يمرّ تصريح على لسان مرشد مؤسسات الدولة نبيه برّي إلّا وفيه إصرار على ضرورة تطبيق الـ 1701 من دون زيادة أو نقصان. يقلّده طبعاً تلميذه “النجيب” بالإصرار على ضرورة تطبيقه، شرط أن يكون ذلك “من الجانبين” طبعاً. كذب بكذب. الرئيسان لا يذكران بتاتاً أساس الـ 1701، وهو إفراغ منطقة جنوب الليطاني من أي سلاح غير شرعي، أي عملياً منع تواجد “حزب اللّه” العسكري (الظاهر والباطن) في هذه المنطقة. نزع السلاح ومصادرته من داخل البيوت التي حوّلها الحزب مراكز تخزين، إغلاق الأنفاق العسكريّة، ومنع أي نشاط أمني. هذا هو الـ 1701، أمّا الحديث عنه دون ذلك فتحايل وتذاكٍ ولّى عليه الزمن، لبنانياً ودولياً. فأسرارهم تؤخذ من “صغارهم”: يريدون أن يقوم الجيش واليونيفيل بمهام إسرائيل، وهو ما “لن تقبل المقاومة به”، على حد قول أحد “الصحافيين” الموالين لـ “حزب اللّه”.
بدأت قصّة الانقلاب على الـ 1701 في حزيران من العام 2007. كان جنود اليونيفيل+ (كما سميّت القوّة المعززة بـ 13000 جندي إضافي) من الدول التابعة لحلف الناتو (خصوصاً فرنسا وإسبانيا وإيطاليا) قد أخذوا مهمّة القوّة المعزّزة على محمل الجدّ (على عكس دول وجود جنودها صوري كإندونيسيا). البند الثامن لا يحمل النقاش: إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من السلاح والمسلّحين. بدأوا يفتّشون أمكنة يشتبه في أنها مخازن سلاح. في 25 حزيران انفجرت سيارة مفخخة في بلدة الخيام أدّت إلى مقتل 7 جنود من الكتيبة الإسبانيّة. وصلت الرسالة. ممنوع تنفيذ القرار 1701. السلاح لا يكون ظاهراً، ولكنّه باقٍ جنوب الليطاني. تراجع جنود اليونيفيل إلى ثكناتهم. تحوّلوا إلى NGO، وتفرّغوا للعمل الاجتماعي (صفوف يوغا وتكواندو حسب الموقع الرسمي لليونيفيل). تبع الانقلاب في الجنوب انقلاب في بيروت. غزوة 7 أيار واتّفاق الدوحة. أخضعت السلطة السياسية، وأخرج الجيش اللبناني عنوة من مهمّة تنفيذ الـ 1701. في العام 2011 اكتمل الانقلاب. جنود الدول الأطلسية غادروا الجنوب (لم يعودوا أكثرية في اليونيفيل) وسيطر “حزب اللّه” على الدولة كاملة.
أطلقت يد الدويلة في الجنوب. يجاهر الحزب علناً بعدم اعترافه بالقرار من دون حتى أن يسمّيه. مئة ألف صاروخ (وين موجودين بالضبط؟). “سندخل إلى الجليل”، عبر الأنفاق طبعاً، والتي اكتشفت إسرائيل اثنين منها في العام 2018. تدريبات عسكريّة علنيّة جنوب نهر الليطاني، يدعى إليها الإعلامان اللبناني والعالمي. لا وجود للقرار، لا عند الحزب ولا عند الدولة اللبنانيّة. القرار هو بوحدة الساحات، والباقي تفاصيل. لا أحد في لبنان أو العالم يأخذ على محمل الجد حجّة الخروقات الجويّة الإسرائيليّة، التي تسبّب فيها “حزب اللّه” أصلاً. فما دخل أنفاق الجليل بالخروقات الجوّية؟ كل هذا “مقبول” دولياً، ولو على مضض. أصدر مجلس الأمن قراره 2650، والذي سمح لليونيفيل بتنفيذ مهامها من دون التنسيق مع الدولة اللبنانيّة (لماذا ما زلنا نتحدث عن القرار القديم؟). لكنّ اليونيفيل كانت قد أخضعت معنوياً، واستمرّ “الحزب” بقتل أعضائها (آخرهم الجندي الإيرلندي على طريق الجنوب – بيروت) فلم يكن للقرار أيّ تأثير عملي. إلى أن وصلنا إلى 2023، فكان “طوفان الأقصى”، ومعه “حرب الإسناد” الهجومية، فانهار الـ “ستاتس كو”، وانتهى معه القرار 1701– نصاً وروحاً – إلى غير رجعة.
“هلق عم تحكيني بالليسترين؟” مقولة من إعلان ترويجيّ تحوّل “مثلاً” شعبياً لبنانياً، ينطبق حرفياً على سذاجة مسؤولي الدولة اللبنانية وهم يطالبون بتنفيذ القرار 1701″بحرفتيه”، من دون أيّ ذكر لحرفيته. لا أحد يأخذكم على محمل الجدّ. فالقرار المذكور وجد ليمنع الحرب بين “حزب اللّه” وإسرائيل، وما إن اندلعت الحرب بقرار من “الحزب”، حتى أصبح الكلام عنه غير ذي جدوى أو مشروعية. فهل يقاتل “الحزب” في الجنوب كي ينسحب منه؟ الواقع هو أن لا أحد بالعالم سيوافق على تسوية من دون ضمانات جديّة، تسمح بإعادة تجربة الـ 2007-2024. المعروض الآن (قد لا يكون معروضاً غداً)، هو إعطاء إسرائيل حريّة فرض تطبيق القرار بالقوة العسكريّة (بغض النظر عن الفذلكات اللغوية لنبيه برّي)، وفي ذلك انتهاك صارخ لسيادة الدولة اللبنانيّة (لو وجدت).
يوجد حلّ أبسط بكثير من هذا كلّه. يتنافس الرئيسان برّي وميقاتي ليس فقط على ضرورة تطبيق الـ 1701، بل على رفض الحديث بالـ 1559، على اعتبار أنه مصدر للانقسام بين اللبنانيين، وكان القرار هو سبب الانقسام وليس السلاح. بذلك يكون طرحهما كالآتي (إن صدقا): أن يخرج سلاح الحزب من الجنوب، فلا يهدّد إسرائيل، ويتمركز في بيروت والجبل والشمال والبقاع، فيتفرّغ حصراً لتهديد اللبنانيين. لو رفضا القرارين معاً، لكان ذلك “منطقياً”، ولكن أن تكون “المقاومة” موجودة في كل مكان إلّا على حدود إسرائيل، فما هذه الوقاحة؟ لا يا سادة. الحل المستدام والأبدي بسيط، وهو “حلّ جميع الميليشيات وتسليم سلاحها إلى الدولة اللبنانية”. وإن كان الرقم 1559 يزعجكم ببعده الدولي، يمكنكم بسهولة الركون إلى نص آخر، لبناني صرف، تعرفونه جيداً وتكذبون بخصوصه، يضمن النتيجة نفسها في فقرته الثانية، البند الأوّل: اتفاق الطائف!