تكبير الادعاءات والتوقعات في شأن الحرب الروسية في سوريا، أمرٌ تعوزه الحصافة ولا يليق بأحد خارج منظومة محور الطغاة وطرق عمل أصحابه وروّاده. وتبسيط تأثيرات تلك الحرب في المقابل، هو بدوره امرٌ لا يتناسب مع حجم أضرارها وضحاياها من شعب سوريا المظلوم.
بين ذينك الأمرين المتطرفين، هناك شيء آخر له صلة حميمة وعضوية بالواقع وأدبيات المنطق السوي والسليم.. وفي ذلك المحل (الوسطي) يصحّ الانتباه الى جملة بديهيات مستقاة من التفاصيل والعموميات المتراكمة على مدى السنوات الماضيات من عمر النكبة السورية، وليس من خارجها.
من ذلك، ان روسيا طوّرت تدخلها الميداني في سوريا ولم تباشره قبل ايام. وانها جاءت بقوة نارية اضافية هائلة لكن بضجيج سياسي (واعلامي) اكبر من تلك النيران. وانها تحاول النجاح حيث فشل غيرها. وتعتمد تكتيكاً قتالياً تعرف سلفاً انه غير حاسم.. ونقطة ضعفها المركزية هي انها تخوض في ما تخوض به، في ارض مفتوحة ومكشوفة على عكس ما كان عليه وضعها في غروزني خصوصاً والشيشان عموماً.
والأرض المفتوحة هي طفّاية الارض المحروقة: يستطيع بوتين ان يتصرف احادياً في سوريا ويطرح اجندة سياسية تناسبه مستفيداً من انكفاء الاميركيين وحلفائهم عن التورط المباشر، لكنه لا يستطيع ان يفرض تلك الاجندة على أحد. أي، انه هو، وليس غيره، من فتح مخازن السلاح الغربية التي كانت مقفلة في وجه المعارضة السورية المسلحة! وصواريخ «تاو» التي ظهرت بكثافة في منطقة ريف حماة الشمالي في اليومين الماضيين، لا يبدو انها ستكون «وحيدة أهلها»! والأمر نفسه ينسحب على محاور القتال والجبهات الساكنة. بحيث ان ما لا يمكن لبقايا السلطة ومن معها من ميليشيات ان تفعله لجهة فتح اكثر من معركة، في الوقت نفسه (نتيجة العجز البشري أولاً وأساساً) تستطيع قوى المعارضة ان تفعله.. ولا شيء يشير الى انها لن تفعله!
والتكرار واجب: لم تعوّف السلطة الاسدية على مدى السنوات الماضية طريقاً إلا وسلكته، وسلاحاً الا واستخدمته. وانطلقت منذ اللحظات الاولى بكل زخمها القتالي.. بجيشها العرمرم وأجهزتها الامنية الراكبة فوق بعضها البعض، وطيرانها وصواريخها ودباباتها وميليشياتها وشبيحتها وذبيحتها وداعميها المذهبيين من لبنان الى العراق الى افغانستان وباكستان، وفوقهم ومعهم حشد «الخبراء» الايرانيين، ومع ذلك كله بقيت وتيرتها نزولاً وليس صعوداً.. والعودة اليوم الى اشاعة نظرية «الغطاء الجوي للزحف البري» لن تغيّر في تلك المعادلة الشيء الكثير، بل ربما ستؤكدها.
قد تطور كثافة النيران الروسية خريطة توزّع القوى في الشمال السوري، لكنها لن توقف المعركة ولو للحظة واحدة! ويعرف صنّاع القرار في محور الطغاة ذلك بقدر ما يعرفه المعنيون في الجانب الآخر. وتجربة «حزب الله» في هذا السياق، من القصير الى الزبداني قد تكون مفيدة جداً لضباط غرفة عمليات بوتين وصحبه. والمبدأ ماسيّ لا يصدأ ولا يتحلل: الفوز في معارك متفرقة لا يعني حسم الحرب. فكيف الحال، وتلك المعارك نفسها لم يحسم فيها محور الطغاة شيئاً يُعتدّ به حتى الآن!