هل يكون الخلاف بين الرئاستين الأولى والثانية مدخلاً لهيئة حوار تبحث في تصويب الطائف؟
مواقف جنبلاط حيال «الطائف» تُكرّس وقوفه ودعمه برّي في خلافه مع عون
يبدو أن أزمة مرسوم الاقدمية بين قصر بعبدا وعين التينة بدأت تأخذ شكل بقعة الزيت لجهة اتساعها وتمددها في اتجاهات مختلفة على مستوى الإدارة والمؤسسات، ولا يوجد في الأفق أي معطى يؤشر إلى إمكانية ان يكون هناك حل في قبضة اليد في غضون وقت قريب، لا بل إن هناك من بات يجزم، من المطلعين على حيثيات هذه الأزمة وما وصلت إليه العلاقة بين الرئاستين الأولى والثانية، بأن هذه الأزمة ستمتد إلى ما بعد.. بعد الانتخابات النيابية في أيّار المقبل، والدليل على ذلك الغياب المطلق لأي مسعى من أي جهة سياسية، حتى ان الذين كانوا يستعدون للقيام بهذا الدور تراجعوا بعد ان رأوا ان الظروف غير مؤاتية للقيام بأي مسعى في الوقت الراهن.
والمتابع للمواقف الصادرة عن المقرّات الرئاسية في اليومين الماضيين يلمس بشكل واضح ان الأزمة الرئاسية لم تعد محصورة بمرسوم الاقدمية، إذ ان شظايا هذه الأزمة طالت بشكل مباشر اتفاق الطائف والدستور، وهو ما يعني انه في كل يوم يمر من دون طرح حلول تزداد الأزمة تعقيداً، ومعها تُطرح علامات استفهام متعددة حول ما ستكون عليه المرحلة المقبلة سيما وان البلد بدأ يستعد للدخول في مدار الانتخابات النيابية بعد توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وتزييت القوى السياسية ماكيناتها الانتخابية بالتوازي مع غربلة أسماء مرشحيها.
وفي هذا الإطار، يرى مصدر وزاري، يوصف بأنه مخضرم وواسع الاطلاع، انه على ما يبدو هناك من يريد ان يكون الخلاف حول المرسوم مدخلاً لحوار جديد حول الطائف، وكذلك حصاناً يدخل من خلاله إلى صناديق الاقتراع، بعد ان خلق القانون النسبي بلبلة على صعيد موازين القوى، إذ ان كل استطلاعات الرأي التي حصلت حول الانتخابات تنقصها الدقة خلافاً للتي كانت تحصل خلال قانون الستين، وخصوصاً الساحة المسيحية. فالتيار الوطني الحر بحاجة إلى مواد تشد عصب الرأي العام المسيحي ان على صعيد الانتخابات أو على مستوى السلوك السياسي العام، علماً انه في الأساس فإن ممارسات رئيس الجمهورية على أكثر من مستوى هي إعادة النظر في اتفاق الطائف عملياً دون تعديل، أي من خلال الممارسة وخلق اعراف في الطائف عدا المواد التي يحتوي عليها، كما كان الحال في دستور الـ1943 الميثاق الذي كان عرفاً، وفي الطائف لم تعد هناك اعراف بل بنود دستورية، وقد أظهر تعاطي الرئيس عون مع الإدارة من خلال الاجتماعات المباشرة، وكذلك تعاطيه المباشر مع الأجهزة الأمنية هذه الحقيقة التي تؤكد التوجه نحو خلق ممارسة جديدة في موازاة بنود اتفاق الطائف.
ويجزم المصدر ان لا حل للمرسوم في المدى المنظور لأن أي حل في الظروف الراهنة هو حل الغالب والمغلوب، فإذا عاد الرئيس عون عن المرسوم سيكون المغلوب والرئيس برّي الغالب، وإذا نفذ المرسوم سيكون رئيس المجلس المغلوب ورئيس الجمهورية الغالب، ولذلك فإن استمرار الأزمة يمنع إعلان غالب ومغلوب.
وفي تقدير هذا المصدر ان أزمة المرسوم التي ربما تتفرّع عنها أزمات عديدة حول مواضيع مختلفة ستبقى قائمة إلى حين انعقاد هيئة حوار تبحث في تصويب اتفاق الطائف، وهذا المطلب لا ترفضه غالبية القوى السياسية ان بالسر أو بالعلن، لأنه والكلام للمصدر الوزاري، حان الوقت لطرح ما هو مصير اتفاق الطائف بعد مرور 27 عاماً من التفاهم عليه.
واللافت في الخلاف حول هذا المرسوم، في رأي المصدر، أنه لم يخلق عزلة طائفية، فعلى سبيل المثال فإن «تيار المردة» يقف إلى جانب الرئيس برّي في حين ان «تيّار المستقبل» تناغم مع الرئيس عون بدليل توقيع رئيس الحكومة سعد الحريري على المرسوم. ويؤكد المصدر ان الحلول غير واردة قبل إجراء الانتخابات النيابية والجلوس الى الطاولة لأنه بذلك لا يعود المرسوم يرى بالعين ويصبح جزءاً من كل، على عكس ما هو عليه اليوم الكل بالكل.
وما يدعم رؤية المصدر الوزاري في ما خص الطائف، هو ما أعلنه موفد النائب وليد جنبلاط الى عين التينة النائب وائل أبو فاعور عن «مخاوف جدية على الطائف خصوصاً وان البعض يريد اعتباره نصاً مهملاً»، وبذلك دلالة واضحة على تكريس موقف رئيس اللقاء الديمقراطي الى جانب الرئيس برّي في خلافه مع الرئيس عون بشكل واضح وصريح، وهو كانت له تغريدة لافتة بهذا الخصوص إذ قال: «خلف كل قرار تقريباً من مجلس الوزراء يجري تعميق وتفريغ الطائف من مضمونه بدلاً من التمسك به وتطويره».