IMLebanon

حُسِمَ الأمر: قانون الستين مقابل الرئاسة؟

باتت ملامح رئيس الجمهورية العتيد واضحة، وإذا لم يطرأ أية مفاجأة من اليوم حتى 31 الجاري، فسيكون رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» رئيساً للجمهورية. ولا شك في انّ الحوارات والنقاشات التي تدور حالياً في كواليس التفاهمات السياسية ما قبل جلسة انتخاب الرئيس تتمحور حول موضوع قانون الانتخابات النيابية الذي يكاد الأمر يصبح فيه محسوماً: قانون الستين.

حصرت القوى والأحزاب المسيحيّة وخصوصاً «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» مطالبها في البتّ بأمرين: رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات. وكانت الأولوية للرئاسة التي تخبّطت منذ عامين ونصف العام بحالة من الشغور غير المسبوق، ما بات يهدّد مقام المسيحيين الأوّل في الدولة اللبنانية.

طموح الأحزاب المسيحية على اختلافها كان التوصّل إلى الانجازين معاً لأنهما يؤديان إلى الاستقرار المنشود على صعيد الحياة السياسية، لكن في الواقع ما كان يُعرض على «الوطني الحر» و»القوات» هو المقايضة بين المطلبين: امّا الرئاسة وامّا قانون الإنتخابات.

وإذا عدنا إلى الوراء بضعة أسابيع، تحدثت أوساط «القوات» عن تقارب بينها وبين «التيار الوطني الحر» و»المستقبل» حول قانون مختلط، لكنّ موضوع الرئاسة سرعان ما تصدّر الأولوية وتسارعت الأحداث والتفاهمات بين «الوطني الحر» و»المستقبل» على الرئاسة علماً انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يكن بعيداً من الحوار حول القانون الانتخابي وخصوصاً انّ ما يطرحه ذات صلة بمفهوم القانون المختلط.

لكنّ المعلومات التي توافرت من المطّلعين على هذا الملف انّ المكوّنات السياسية المعنيّة بالاستحقاق الرئاسي، والتي كانت تقوم بالمفاوضات لإتمامه، وضعت قانون الانتخابات على الرفّ للتركيز على الملف الرئاسي. وبالتالي، لم يؤدّ إهمال بري مسألة إدراج قانون الانتخابات كبند أول على جدول أعمال الجلسة التشريعيّة الأخيرة إلى تصعيد، وقد شارك تكتل «التغيير والإصلاح» في الجلسة وتبعته كتلة «القوات اللبنانية» على رغم تحفّظها.

من جهة أخرى، غاب التهديد بالشارع في حال لم يُناقش القانون الانتخابي لأنّ لبنان لا يحمل في هذا الظرف أي محاولات تصعيد ولا يُمكن إقحامه في حروب شوارع هو في غنى عنها، في ظل الإجماع على حماية الاستقرار وتحصينه.

وإذا نظرنا إلى الخريطة السياسية، نُلاحظ انّ أكثرية القوى السياسية باستثناء «القوات» و»الوطني الحر» و»الكتائب» غير متحمّسة لقانون انتخابات جديد وليست في وارد تسليم «رقبتها» لخصومها والمجازفة بخسارة وزنها في المجلس النيابي وفي مقدمها تيار «المستقبل» الذي يعاني حالة انعدام الوزن شعبياً، يليه مصلحة رئيس «اللقاء الديموقراطي» بقانون الستين، إضافة إلى بري و»حزب الله» المشغول في أزمات المنطقة وهو يفضّل أن يبقى الوضع على حاله من دون مفاجآت.

ولعلّ ترحيل الرئيس بري مناقشة قانون الانتخابات إلى جلسات أخرى كان من هذا الباب لعِلمه بالمقايضات الحاصلة، وربما ستتكرر عمليات الترحيل جلسة تلو جلسة في ظل الإنهماك بعملية انتخاب الرئيس ثم تكليف رئيس حكومة وتشكيل هذه الحكومة. علماً انّ بري يشترط الإتفاق على قانون واحد قبل مناقشته في المجلس، وهذا ما ليس متفقاً عليه بعد.

وإذا بقي هذا الموضوع في مهبّ التأجيل حتى آخر السنة، ولم يبتّ بأيّ قانون جديد، سيضع بري الكتل النيابية أمام خيارين: الأول يقضي باعتماد قانون الانتخابات النافذ حالياً والمعروف بـ»الستين» والثاني التمديد للبرلمان سنة واحدة، ريثما يصار إلى إقرار قانون جديد وتكون هناك فسحة من الوقت لتدريب الموظفين في وزارة الداخلية والبلديات على تطبيقه، وأيضاً تأهيل الناخبين ليكونوا على بَيّنة من كيفيّة ممارسة حقّهم في اختيار مرشحيهم إلى البرلمان. ومن المتوقع أن ترفض كل المكوّنات السياسية التمديد لمصلحة قانون «الستين».

ويبدو انّ أكثرية الكتل النيابية باتت تعرف انّ ما سيطبّق هو «الستين»، لكنها لا تتجرّأ على خوض المعركة السياسية في العلن لمصلحة هذا الخيار خوفاً من ردّة فِعل هيئات المجتمع المدني في لبنان الرافضة لهذا القانون.

وليس سراً انّ المفاوضات التي جرت بين عون والحريري حول الطبق الرئاسي ركّزت على خيار قانون «الستين»، لذلك سنشهد في المرحلة اللاحقة تسويقاً لهذا الخيار الذي اتفق عليه، مع إجراء تعديلات طفيفة عليه كنقل مقاعد محدودة من قضاء إلى آخر، وهذا مرشّح أن يسلك طريقه مجدداً في إطار تفاهمات تتعلق أولاً وأخيراً بإيصال عون رئيساً للجمهورية، وهذا الإنجاز سيستخدم للتغطية على عورات هذا القانون، إذ ستجد القوى المسيحيّة كـ«القوات» و«الوطني الحر»، نفسها مضطرة إلى القبول به والمساومة مرة أخرى على التمثيل المسيحي الحقيقي لتكريس إنجاز الرئاسة بوصول عون إلى قصر بعبدا.