فجأة انفجرت أزمة مدوية في لبنان، وطغت على كل ما كان سائدا من الهدوء والسعادة والاستبشار بالحاضر والمستقبل بولادة العهد الجديد وحكومته الأولى تحت شعار استعادة الثقة. وبدا للوهلة الأولى وكأن الأزمة الجديدة ذات طابع مصيري، وكأنها كارثة نووية ناتجة عن انفجار نووي مثل مفاعل تشرنوبيل! وسرعان ما تبيّن من خلال ضجيج علماء السياسة والاجتماع والطبيعة ان الخطر ناجم عن طيور نووية اسمها بلغة الشيفرة النوارس التي تهدّد سلامة الطيران المدني والمسافرين والمواطنين على حدّ سواء…
انقسمت اجتهادات العلماء الى فريقين. وكان السؤال الفلسفي المستعصي على ايجاد جواب لهذا السؤال – اللغز: هل ان سبب كثافة الطيور في محيط المطار الدولي يعود الى وجود مطمر للنفايات في الكوستا برافا؟ أم من تعفّن مصبّ نهر الغدير، وكلاهما يقع في محيط المطار؟ وتوجهنا بالسؤال الى فلاّح في الثمانينات من العمر، لم تتح له ظروف الحربين العالميتين التخرّج من هارفرد وأكسفورد والبولي تكنيك، بل ولم يسعفه الحظ حتى ارتياد المدرسة تحت السنديانة، فقال بعبارة موجزة ومشى: حيث توجد نفايات وعفن توجد طيور من كل الأنواع!
إذن، السؤال الذي يطرحه علماء السياسة والاجتماع والطبيعة هو سؤال مغشوش وخادع، ولا يبرّئ الدولة من المسؤولية. أليس من الغريب ان العباقرة الذين تعاقبوا على مراكز السلطة والقرار لم يجدوا على امتداد مساحة الوطن وال ١٠٤٥٢ كلم مربعا، سوى تلك المساحة الملاصقة للمطار؟ ثم ان نهر الغدير بمياهه الصافية مثل سائر أنهار لبنان، هل تعفّن هكذا بالصدفة من تلقاء ذاته وتحوّل الى سائل مشبع بكل أنواع السموم؟ ثم كيف ان هؤلاء العلماء الجهابذة لم يجدوا وسيلة لطرد هذه الطيور سوى وسيلة تشبه ألعاب الأطفال باصدار أصوات مسلية، أو طريقة تشبه كشّ الحمام؟
السؤال الحقيقي إذن هو غير ذلك السؤال المتداول. ألم يكتشف الجميع بعد انهم ينصرفون الى معالجة نتائج المشكلة وليس المشكلة نفسها؟ والعجيب والأغرب هو سؤال آخر: أليس من المفاجئ ان العهد الجديد لم يظهر أية حساسية خاصة لمعالجة أزمة النفايات، مع انها كانت هي الأكثر إلحاحا من إقرار مراسيم النفط والغاز؟ تعني معالجة الأزمة من جذورها…