Site icon IMLebanon

فضيحة مُدوّية: مراحيض النازحين تصبّ في البردوني!

 

فضيحة مدوية في ملف النازحين السوريين، وكأنّه لا يكفي اللبنانيّين ما يعانونه من فضائح وتلوّث بكلّ وجوهه. إنها مراحيض النازحين في مخيم زحلة «الفيضة» التي تصبّ على مرأى من الجميع في نهر البردوني بلا حسيب أو رقيب!

هذه الفضيحة يراها المرء ولا تحتاج الى تقصٍّ، وقد شاهدناها بأمّ العين خلال جولتنا على مخيّم «الفيضة» في زحلة، بعدما نصَب العاملون التابعون لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR مراحيض للنازحين مستديرة الشكل، مصنوعة من قساطل الألومنيوم الـTolls في الطبيعة مباشرةً، لتصبّ قذاراتها في نهر يمرّ قربها هو من روافد نهر البردوني. والى جانب تلك المراحيض مزروعات متنوعة يسقيها هذا النهر الصغير الذي تجري فيه مياه الشفة، والاخطر أنّ النهر نفسه يعود ليصبّ في نهر البردوني.

والمراحيض ذاتها منتشرة في معظم مخيمات النازحين على الأراضي اللبنانية، وهي تُنصب في الطريقة ذاتها، إلّا أنّ للبقاع وعكار خصوصية زراعية معروفة، إذ إنّهما يُعدّان مخزونين مهمّين للخضار والفاكهة للداخل اللبناني وللتصدير الخارجي، فبات سهل البقاع وتربته مهدّدين بالتلوث نتيجة براز النازحين ومكبّات نفاياتهم.

وقد تنبّهت مفوضية الامم المتحدة لخطورة المسألة، لكنّها ليست قادرة على فعل شيء، إذ انها لا تجد خياراً أمامها إلّا إفراغ قذارات المراحيض في النهر أو على الأرض… علماً أنّ النازحين غالباً ما يقضون حاجاتهم في الطبيعة، أو في النهر مباشرة، او يتوجّهون الى السهل المليء بمزروعات يأكلها اللبنانيون.

إلتقينا أحد المزارعين المالكين الذي فضّل عدم ذكر اسمه، فكشف أنّ المساحات الزراعية تتقلّص على حساب المخيمات، لأنّ نَصب الخيم على الاراضي الزراعية في السهل بات يعدّ اليوم تجارة مربحة على مختلف الأصعدة.

يبلغ إيجار الأرض لنصب الخيمة، التي يدعوها النازحون (برّاكية)، نحو 100 دولار شهرياً وأكثر! ويوضح المزارع نفسه أنّ «إيجار الارض مربح اكثر من الزرع، إذ يوفّر تأجير الخيمة الواحدة على المزارع صاحب الارض، عناء الزرع والعمل مدار السنة في مقابل ربح قليل، فكيف اذا بقيت الخيم والنازحون سنوات؟».

التلوث البيئي

خلال تجوالنا، رأينا بأمّ العين امرأة تحمل «شوالاً» من النفايات لترمي به في النهر الملاصق للمراحيض، فتساءلنا: هل يُدرك المعنيون واللبنانيون أين يرمي مليون ونصف مليون نازح قمامتهم؟ أين التنسيق ودور البلديات؟

وليس سراً أنّ النازحين يرمون نفاياتهم قرب المخيمات وفي الأنهر المجاورة لهم بلا رقيب أو حسيب على حساب التربة والبيئة والمياه التي نشرب ونأكل منها يومياً.

تُضيف هذه الفضيحة مشكلة الى مشاكل الامن البيئي والغذائي وتتطلب تدخلاً سريعاً من الوزارات المعنية لتدارك هذا الواقع الخطير الذي يُهدّد سلامة اهل المنطقة والنازحين على حد سواء.

والجوي

لفتنا دخان ينبعث من احدى فوهات الخيَم، ولمّا استفسرنا قال لنا أحد الفتيان «هي للتدفئة الشتوية». أولئك الفتيان تتبّعونا منذ بداية الرحلة طامعين ببعض «المساعدة»، فيما أشار أحدهم ويُدعى وليد إلى أنّ الحرارة في السهل متدنية، «لذلك نلجأ لوسائل عدة للتدفئة».

فسألناه: «كيف تحتمي عائلتك من الصقيع؟ فأجاب: «منِحرُق كلّ شي ما بَدنا ياه». واضاف متوسّلاً: «هل أحضرتِ لي جزمة؟… كان يريدها حتماً لتَقيه البرد والوحول والمياه التي تحيط بمخيم النازحين.

أجَبته أنني سأحضر له واحدة بالتأكيد بعد أن يُفصّل لي من أين تأتي عائلته بالحطب للتدفئة، فقال: «أحياناً نقطع الأشجار، ولكن في أغلب الأوقات نحرق كل ما تصِل اليه أيدينا من «زبالة»، مثل الكاوتشوك والنايلون والحفاضات، إذ ليس لدينا وسائل غيرها تقينا برودة الطقس!».

هذا الأمر نضعه أيضاً في عهدة الوزراء المعنيين، فالتلوّث الجوّي الناتج عن تلك المداخن ينعكس مشاكل صحية على النازحين وأطفالهم وعلى جميع اللبنانيين.

أمراض متفشية

مصادر طبية مشرفة على المخيمات كشفت لنا أنّ أمراضاً معدية تتفشّى في مخيم زحلة وفي بقية مخيمات النازحين في لبنان. كما أنّ هناك شكاوى من شحّ المياه، ما يمنع استحمام النازحين بالمقدار الكافي، وفي النتيجة يزيد تفشي الاوساخ والاوبئة والامراض الجلدية.

ويؤدي الطقس وضيق المكان، الدورين الاساسيين في هذه المشكلة، إذ يجعل البرد القارس النازحين يخفّفون من الاستحمام الضروري، فيما يمنعهم شحّ المياه من غسل أمتعتهم وثيابهم بعد العمل المضني، الأمر الذي يزيد عامل التلوث تعقيداً.

تتصِل الامراض المتفشية في المخيمات بالبيئة وقلة النظافة والتلوث، وهي أمراض جلدية على انواعها، وغيرها من الأمراض المعدية والفطريات والإسهالات الحادة وأمراض الربو وتوابعه من الامراض المزمنة.

ولفتت المصادر الطبية إلى أنّ الامراض المتفشية أخيراً، ومنها «التهاب الكبد A»، ناتجة عن تلوّث المياه، وهذا الالتهاب يتفشّى اليوم في غالبية مخيمات لبنان، وخصوصاً في البقاع، نتيجة تلوث المياه الجوفية.

وحذّرت المصادر الطبية من أنّه «بالإضافة الى مخاطر التلوث والأوبئة، فإنّ تعليق المساعدات الغذائية في هذه المرحلة بالذات سيُضيف عاملاً مدمّراً بالنسبة الى مئات الآلاف من العائلات اللاجئة، خصوصاً في هذه المرحلة ومع قدوم فصل الشتاء وتحدّياته».

غادرنا المخيّم بعدما بدأت «الغَربيّة» تلفّ المكان، وبدأ الصقيع يلسعنا، متسائلين كيف يقاوم أولئك الأطفال؟ فإذا لم يَمت النازحون جرّاء القصف والأسلحة الكيماوية، وتفشي الأوبئة والتلوث على أشكاله وأنواعه، فهل يموتون من الصقيع والجوع؟ أمّا اللبنانيون! فهل يحملون وزرَين؟ وزر جوع النازحين، ووزر التلوث الناتج عن نزوحهم! فينزحون؟!