ليس من الغرابة في شيء ان ترتفع في لبنان سحب سخونة سياسية وحتى أمنية في شرق اوسط يقترب من لحظة استحقاق ولادة الاتفاق الغربي – الايراني على الملف النووي مترافقاً مع اندلاع معركتين استراتيجيتين في حلب والزبداني في سوريا ناهيك عن مشتقات اخرى من الحروب الطاحنة المندلعة على نار الارهاب الداعشي. والحال اننا أصبنا بانعدام ثقة بمناعتنا الذاتية اللبنانية بات في درجة متقدمة جداً تقرب من الدونية التي تفصح عنها مقولة ذائعة الصيت هي ان أحداً ما كان يتخيل لبنان بصورته المستقرة نسبياً هكذا على رغم احكام حصار الحرائق الكبرى عليه. إذن يمكن استخلاص الحالة اللبنانية الراهنة بأنها مزيج من الازدواجية التي تعترينا جميعاً بأننا نسبح بحمد النجاة من الحريق الفتاك ولكننا نقف الآن اكثر من اي وقت سابق عند مشارف الاختبار الذي قد يكون الأخير وسط اشباح التحولات الكبرى الذي تحبل بها المنطقة.
في ظل ذلك لا يعود جائزاً التعامل مع الازمة الحكومية المرشحة لمزيد من الاحتدامات كأنها مجرد تفاعل حار مبسط على خلفية بنود واشتراطات يطرحها الفريق العوني مدعوماً من “حزب الله” وترفضها بقية المكونات الحكومية. هذا التعامل استنفد فصوله الاولى. الآن نطل على “الشوار” المهلك بنفسه، لان “حكومة المصلحة الوطنية” هي السد الأخير الحائل دون القفز الى القعر.
ملأ الصخب آذان الناس وأعمى بصيرتهم وأصم آذانهم وأصاب منهم الضياع الى أقصى الحدود. ولكننا لا نعتقد بان اللبنانيين الذين يحملون الاجازات العالية والمتفوقة في الخبرة المديدة تفوتهم حقيقة ان وراء الأزمة الصاعدة يكمن الاختبار الحاسم الأخير للصراع بين تحييد لبنان عن الجحيم الاقليمي او إلحاقه بحرائقه. ولسنا من السذاجة المفرطة، بفعل إفناء أعمارنا تحت وطأة الازمات والحروب والبطولات الوهمية الانتحارية، بحيث نصدق ان حريقاً بحجم ذاك الذي يهول به علينا هو مجرد لعبة داخلية وَلَهْو محلي وترف من هنا وعناد من هناك او حتى مجرد صراع على السلطة. أقله ثمة ما فات كل من لا يزال يعتقد بامكان “تمرير” هذا الدجل على ذقوننا بأن معظم اللبنانيين، حتى لو استسلموا ووهنوا وارتهنوا وانصاعوا، يدركون بالحدس المكتسب ان التصعيد الحالي هو الواجهة المفتعلة فقط لما يراد للبنان ان يمر به في النفق الاخير المفضي الى المجهول. ولذا قد نُعذر او لا نُعذر وليس من فارق في اي حال، اذا ضحكنا في احلك المخاوف من كل من يريد اهانة عقولنا وإرقاصنا على صخب داخلي مزعوم، مهما ارتفع الضجيج في قابل الأيام والأسابيع والأشهر. على بعد أمتار من الحدود كل القصة لا أكثر ولا أقل.