IMLebanon

تعطيل المؤسسات في علم السياسة جريمة بحق الوطن والشعب

 

يستند علم القانون والسياسة الى سلطة مبادئها الممارسة لأحكام القوانين والدستور المعتمد في الدولة، أي وفقًا لنظام وقواعد أساسيّة محدّدة. والدستور وفقًا لأغلب الفقهاء هو مجموعة من الأحكام التي تحدِّدْ نوع الدولة ونظامها السياسي وتنظيمها وكيفيّة توّلي مرجعياتها ممارسة السلطة وتحديد صلاحياتهم وإختصاصاتهم وحدودهم، أي سلطاتها العامة وعلاقاتها ببعضها البعض، وهو أيضاً وفق نظر الفقهاء، مجموعة القواعد الأسمى التي تُشكِّلْ أساسًا ومرجعًا لصحة بقية القواعد القانونية. ومن هذه القواعد الأسمى حقوق الإنسان، المواطن، وضمانات تنفيذ هذه الحقوق.

دائماً يجب الإستناد إلى علم السياسة الذي يؤكّد ويُصِّرْ في كل أبوابه، على أنّ مبدأ السلطة ودورها الأساسي هو تطبيق النُظُم السياسية والمبادئ الدستورية لتحقيق الخير العام في دولة ما، المكرّسْ في الدستور بإرادة الشعب عبر ممثليه، وهذا ما يُستند إليه في لبنان إنطلاقًا من الفقرة /د/، التي تنص «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية»، وفي حالة خروج السلطة عن هذه المبادئ، تكون حُكماً مارستْ التسلُّط. حيث لا شك أنّ هناك إرتباطاً وثيقاً وتداخلاً مُكمِّلاً بين الشعب والقانون والسلطة والدولة.

في كل الدول التي تحترم حضورها الفاعل ورعاياها، لم يقع اللجوء إلى مبدأي الضرورة والتناسب للحدّ من الحقوق والحرّيات، بقدر ما هو مُلاحظ في الجمهورية اللبنانية، وذلك لما تمثله الحدود المفروضة من «تعدٍ على القوانين»، وهنالك من خطر على الحرّيات إذا لم يقع تأطيرها وتحديد آثارها في الزمان والمكان وحسب الوضعيات. وأول منظمة إهتمّت بهذه المسائل هي منظمة الأمم المتحدة، من خلال بيانات تُصدرها مفوّضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان، ومن خلال مجموعة توجيهات للدول، لعلّ أهمها أن تكون التدابير متناسبة مع المخاطر التي تمَّ تقييمها، وهي ضرورية وتُطّبق بطريقة غير تمييزية، ولهذا يعني وجود تحديد للمدّة واتخاذ أقل نهج ممكن للتدخّل لحماية الوضع العام.

إنّ العدالة الدستورية هي من صلب وظائف الدولة، والمجلس الدستوري هو هيئة دستورية مستقلة لها صفة قضائية، وذلك سندًا للمادة الأولى من القانون رقم 243 الصادر بتاريخ 7 آب 2000، (النظام الداخلي للمجلس الدستوري)، شاء المشترع من إنشائه تحصين إرادة الشعب والمحافظة على مبدأ سمّو الدستور وجعل التشريعات منسجمة مع نصّه. وقد نصّت المادة 19 من الدستور اللبناني على «ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والبّتْ في النزاعات الرئاسية والنيابية». سؤال يطرح نفسه: هل إنّ السلطة السياسية اللبنانية وبكل مكوّناتها الموالية والمعارضة، مارست هذه المبادئ ضمن صلاحياتها الدستورية، أم أنّها تعمل جاهدةً على الإطاحة بالدستور وتخالفه عمدًا؟!

 

تغيب في الدولة اللبنانية عمليًا «سلطة مبدأ القانون»، وفعليًا، إنّ سيادة القانون مبدأ للصلاحية العالمية، كما أقرّت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مبدأ «ضرورة الإلتزام العالمي بسيادة القانون وتطبيقها على الصعيدين الوطني والدولي». وفي الوثيقة الختامية للعام 2005، الصادرة عن مؤتمر القمة العالمي الفقرة /134/ المعاهدات من القيم المؤسسة التي يرعاها. وقد ذكرت بعض المراجع، أنّه أصبح مبدأ سيادة القانون تدريجيًا نموذجًا تنظيميًا سائداً في القانون الدستوري الحديث والمؤسسات الدولية، لتنظيم ممارسة السلطات العامة، علماً أنّ هناك العديد من الحالات التي تُشير فيها الدول إلى سيادة القانون في دساتيرها الوطنية.
دائماً الإرتكاز في أي بحث على ما يصدر عن العلم السياسي، حيث يُجمِع على أنّ دولة المؤسسات وحكم القانون تشكّل الرافعة الأساسية لتوطيد السلم الإجتماعي وتحقيق التقدّم والازدهار والطمأنينة، وبخاصة العمل الدؤوب على توفير الأرضية الصالحة للتنمية المستدامة. وعلم السياسة يُشير إلى أنّ دولة المؤسسات تقوم أساسًا على وجود مجموعة من القوانين والأنظمة التي تسود العلاقة بين المواطنين والدولة، بحيث تكون جميعها متوافقة ومبنيّة على قواعد ومبادئ النظام الأساسي لكل دولة، أي الدستور، وهو قمّة القوانين الهرمية التي تندرج منها مختلف النصوص القانونية.
تكثُرْ المطالبة بـ»دولة القانون»، وهي عبارة تُسمع على كل ألسنة السياسيين، وهي هدف راقٍ تُطالب به كل الأنظمة، كما هي شعار يُنادي به كل من يتعاطى الشأن العام. المقصود بدولة القانون، كيان مستقل يحمي حقوق الرعايا الموجودين داخل هذا الكيان، كما حماية مصالحه، دونما النظر إلى تعدّدْ الطبقات الإجتماعية، أي بصريح العبارة، الدولة الحامية، الدولة الحاضنة…

من واجب الدولة وحُكّامها إحترام الدستور وكل القوانين المنبثقة عنه والمنظّمة لهذه الحقوق. واستناداً للقانون العام والمُنِظِّم، إنّ أهم المكونات لدولة القانون تقوم على مبادئ أساسية، وفي طليعتها مبدأ إحترام الدستور ومبدأ تسلسل القواعد القانونية ومبدأ الرقابة على دستورية القوانين. وعملياً، إنّ الدستور والقانون يُشكّلان العمود الفقري لكل مجتمع سياسي له هويته وحضارته وأرضه ودولته السيّدة، ومن خلالها يعمل الشعب على تحديد شروط عمل السلطة السياسية وصلاحيات الحُكّام. وفعلياً، في الدول التي تحترم رعاياها، تبقى تصرفات السلطة الحاكمة خاضعة لشروط تلك القواعد الأساسية التي أقرّتها الأنظمة القانونية.

إنّ التجربة التي يمّر فيها النظام السياسي اللبناني تكشف الخلل الكبير والجسيم والقاتل في ممارسة السلطة، ضمن إطار المؤسسات الدستورية، تحت تأثير صراعات سياسية داخلية متفلَّتة من الضوابط، مما يؤثر سلباً على عمل المؤسسات الرسمية ويُعطّلها، وتترك الإنطباع السلبي على الوطن والمجتمع بشكل عام. وهذه الممارسة أدّت إلى هدم مصالح الناس وخرّبت المؤسسات، وبالتالي هي بمثابة الجريمة بحق الوطن والشعب.