وضع النائب سعد الحريري ــ بترشيحه النائب سليمان فرنجية للرئاسة ــ حليفه سمير جعجع في «خانة اليك». وبات الأخير مهجوساً برد «الصاع صاعين». وفي ظل ما يُحكى عن نية الحريري ترشيح فرنجية في موقف علني، تؤكد مصادر جعجع أنه سيردّ بتبني ترشيح عون للرئاسة. الأمران مرشحان للحدوث الأسبوع المقبل
لماذا ذهب الرئيس سعد الحريري إلى خيار ترشيح الوزير سليمان فرنجية للرئاسة؟ سؤال لا ينفك القواتيون يطرحونه، فيما هم يتباحثون في خيارات الردّ على الخطوة الحريريّة، ومحاولة «اقتلاعها من جذورها». المطّلعون على أجواء معراب، يؤكّدون أن قرار إسقاط التسوية التي يستعجلها الحريري «تخطّى شخص فرنجية». الهدف واضح: «ردّ التحية للحريري بأفضل منها وبأي وسيلة، حتى لو اضطر رئيس الهيئة التنفيذية في القوات سمير جعجع إلى تبنّي العماد ميشال عون كمرشّح رئاسي»! فقد ملّت القوات اللبنانية من ذبذبات الحريري وتقلباته «هو يستسهل نقل البارودة من كتف إلى آخر دون أدنى تردّد»!
صحيح أن التصريحات والمواقف التي تخرج على لسان المسؤولين القواتيين لم تصِل إلى حدّ قطع شعرة معاوية مع تيار المستقبل، ولا اتهام زعيمه علناً بالغدر، إلا أن كل النقاشات المعرابية تصبّ في هذا الاتجاه. بالنسبة إلى معراب «وضع الحريري القوات أمام واقع مأزوم». برأيها «ما قبل فرنجية ليس كما بعده، ليس حصراً على صعيد العلاقة التي تربط الحليفين منذ عام 2005، بل في المشهد السياسي ككلّ». تنقل المصادر وجهة النظر القواتية التي تقول بـ«صعوبة العودة إلى خانة الفراغ التي ينتظر فيها فريق الثامن من آذار توافر الظروف الدولية والإقليمية المواتية لانتخاب عون أو في أحسن الأحوال شخصية توافقية، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب»، وأيضاً «صعوبة المجيء بأي مرشّح من خارج فريق الثامن من آذار، لأن طرح فرنجية أكدّ لحزب الله وفريقه أن «المستقبل» على استعداد للتنازل في موضوع الرئاسة وكل الكلام عن فيتو وما شابه هو كلام ساقط». وفي مفاضلة حتمية بين فرنجية وعون «ستذهب القوات إلى تبنّي الأخير». من هذا المنطلق، تبحث معراب في مرحلتين: الأولى «إسقاط مبادرة الرئيس الحريري»، والثانية «مرحلة ما بعد نجاح فرنجية إن لم تفلح القوات في تطييرها». في ما خصّ المرحلة الأولى، يتحدّث المطلعون عن «رهان قواتي على حزب الله لإسقاط المبادرة». لكن هذا الرهان بالنسبة إلى القوات «يبدو ضعيفاً في ظل حماسة كل من الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط» أولاً؛ وثانياً بسبب «الدعم الإقليمي والدولي الذي حشده الحريري لفرنجية في عواصم القرار».
أما المرحلة الثانية، فيذهب الكلام فيها إلى ما بعد انتخاب فرنجية رئيساً، في ظل «قناعة قواتية بأن حظوظ الرجل ترتفع يوماً بعد يوم». هنا، يحتدم النقاش عند القواتيين الذين «يشعرون بأنهم باتوا الحلقة الأضعف». منهم من يقترح أن «تقود القوات حرب مقاطعة للعهد الجديد»، فيما تميل الدفّة إلى الرأي الذي يمثّله جعجع: «لا للمقاطعة ولا الانزواء في الغرف القواتية. بل المشاركة وتعطيل الشركة التي ستنسجها هذه التسوية من الداخل». فجعجع لا يريد «لفرنجية والحريري أن يسرحا ويمرحا داخل المؤسسات على راحتهما»! وفيما تبدو القوات ممتعضة جداً مما يجري، ويضع رئيسها ما حصل في سياق خروج الحريري عن التزاماته مع حلفائه، ومن دون تنسيق وتفاهم مسبق، يبقى السؤال: ما الذي يدفع جعجع إلى تبنّي عون، عدوه التاريخي؟ هل هو «نكاية بالحريري وحسب»؟ حتى الآن يظهر أن الأمر هو فعلاً كذلك، بالإضافة إلى تفاصيل صغيرة تُختصر بالآتي: عون «أكثر تمثيلاً في الشارع المسيحي. يحاكي وجدان المسيحيين. كذلك لا يلتزم جنرال الرابية أيديولوجية تقيّد سياسته»! أما أهمية طرح عون من قلب معراب، فترتبط بـ«إعلان النيات، وترسيخ حلف عوني ـ قواتي هدفه قطع الطريق على أي تسوية ممكنة تؤدي إلى تهميش الطرفين»، وبذلك يرد جعجع للحريري «الصاع صاعين»، ويظهره بمظهر «غير القادر على فرض الأمر الواقع، فيضرب بذلك صدقيته أمام الجميع». ما يتردّد في معراب سرّاً ويدرس بوصفه خياراً جدياً، يكبر مع كل خطوة حريرية متقدّمة باتجاه انتخاب فرنجية رئيساً. فما الذي يدفع جعجع حتى الآن إلى عدم تظهيره علناً؟ تقول مصادر مقربة من رئيس القوات إن «جعجع لا يزال حتى اللحظة صامتاً، بسبب الطمأنات التي تصله من العماد عون بأن حزب الله لم يتخذ قراراً بدعم فرنجية. وهو إذا لمس وجود تأثير إقليمي على حزب الله فلن يتردد لحظة في إعلان تبني ترشيح الجنرال». كذلك لا يزال يأمل من «المملكة (السعودية) سحب دعمها في آخر لحظة، كما حصل مع رئيس تكتّل التغيير والإصلاح سابقاً، بعدما تأكد أنه لن يستطيع هو إسقاط التسوية من قلب الرياض». أما حسابات جعجع الداخلية فتتعلق «بإقدام الحريري على دعم فرنجية علناً كما تروّج بعض الأوساط، كي يسارع هو إلى رفع كارت العماد عون وخلط الأوراق جميعها». وبصرف النظر عن التطورات التي ستحملها الأيام المقبلة، تسير العلاقة بين القوات وتيار المستقبل باتجاه الهاوية، بعدما رفض جعجع لقاء الرئيس الحريري في باريس أخيراً، بحسب ما أكدت المصادر التي أشارت إلى أن «تسوية فرنجية خلقت ثأراً شخصياً بين الحكيم والشيخ سعد»!