إذا كان تدخّل “حزب الله” عسكرياً في سوريا قد أدخل العنف والارهاب الى لبنان، فهل تجر الغارة الاسرائيلية على مقاتلين للحزب في القنيطرة السورية لبنان الى حرب جديدة مع اسرائيل وبقرار منفرد من الحزب؟
الواقع ان اسرائيل ضربت في الوقت الدقيق والحرج، وهو الوقت الذي تجرى فيه مفاوضات حول الملف النووي الإيراني، واجتماع قريب للموالين والمعارضين في موسكو للبحث عن حل للأزمة السورية، وحوارات اسلامية – اسلامية ومسيحية – مسيحية تجرى في لبنان، ما يجعل الرد على اسرائيل الآن يصب في خدمتها اذ يقضي هذا الرد على كل هذه المفاوضات والاجتماعات والحوارات ويدخل المنطقة كلها في حرب اقليمية ليس الآن وقتها، عدا ان قرار الحرب لن يكون لـ”حزب الله” وحده ولا حتى للدولة اللبنانية وحدها إنما هو لإيران بالتنسيق مع سوريا والدول الشقيقة والصديقة.
لذلك لا ردّ على اسرائيل في الوقت الحاضر، كما يرى بعض المراقبين، في انتظار معرفة نتائج المفاوضات حول الملف النووي الايراني، ونتائج المساعي الروسية لحل الازمة السورية، ونتائج الحوارات الجارية بين الاقطاب في لبنان لترسيخ الامن والاستقرار فيه وليس زعزعته.
ومن جهة اخرى، فإن الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله كان قد دعا من يريدون القتال الى ان يقاتلوا في سوريا وليس في لبنان، لذلك ليس له مصلحة في أن يصبح لبنان ساحة لحرب جديدة مع اسرائيل قد لا يجد من يتضامن معه فيها كما حصل في حرب تموز 2006، عدا ان هذه الحرب لن تبقى محصورة بلبنان وسوريا إنما قد تتحول حربا اقليمية والقرار فيها ليس لحزب ولا حتى لدولة بمفردها.
إن ما يهم “حزب الله” في الوقت الحاضر هو ان يظل محتفظا بسلاحه ما دام له دور اقليمي لتحقيق الاهداف ودور في الداخل للتحكم بالقرارات المهمة. لذلك دخل الحوار مع “تيار المستقبل” للبحث في كل المواضيع ما عدا موضوع السلاح ومشاركته في الحرب السورية.
إن الحزب يجد اهمية في بقاء سلاحه لأن له دورا اقليميا ظهر الى العلن في سوريا ودورا داخليا في لبنان، اذ بوجود هذا السلاح استطاع الحزب التحكم بنتائج الانتخابات النيابية وعدم الاعتراف بها، معتبرا فوز قوى 14 آذار باكثرية المقاعد فوزا نيابيا وليس فوزا شعبيا… فتوصل بهذه البدعة الى فرض تشكيل حكومات باسم “الوحدة الوطنية” الزائفة، والى تحقيق ما سمي “الشراكة الوطنية” التي تحولت مشاكسة بفعل جمع الاضداد في حكومة واحدة، وتمثيل الاقلية التي فازت بها قوى 8 آذار بالثلث المعطل، فكان هذا الثلث كافيا لتعطيل إقرار أي مشروع أو موضوع غير مقبول من وزراء هذا الثلث. واستطاعت قوى 8 آذار بجناحها العسكري (“حزب الله”) تحويل اكثرية 14 آذار اقلية بتسمية الرئيس نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة بعدما أطاحت حكومة الرئيس سعد الحريري باستقالة الوزراء الذين يمثلون قوى 8 آذار، مخالفة ما نص عليه اتفاق الدوحة الذي يمنع الاستقالة. واستطاعت قوى 8 آذار ايضا بفضل وجود السلاح في يد “حزب الله” تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية مشترطة ان يكون العماد ميشال عون هو المرشح الاوحد والا فلا انتخابات وهو ما يتكرر اليوم باعتماد سياسة تعطيل النصاب.
وما دام السلاح في يد “حزب الله” فإن في استطاعته تغيير نتائج الانتخابات النيابية ايا يكن القانون، او عدم الاعتراف بها بغية فرض تشكيل الحكومة التي يريد وانتخاب الرئيس الذي يريد مع المحافظة على الامن والاستقرار في الداخل عندما يكون هذا السلاح يقوم بدوره في الخارج كما هي الحال اليوم بحيث أصبح بقاء السلاح شرطا لاستمرار الأمن… والقيام بهذا الدور يتخذه الحزب وحده وليست الحكومة اللبنانية وإن كان مشاركاً فيها، وهو ما فعله عندما وقعت الحرب مع اسرائيل في تموز 2006 واضطرت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الى التبرؤ منها بالقول إنها لم تكن على علم بها لتفادي ضرب اسرائيل البنى التحتية والمرافق العامة في لبنان، وهو ما فعله الحزب عندما شارك في الحرب في سوريا الى جانب جيش النظام مناصرا فريقا على فريق.
لقد أعلن السيد نصرالله في حديث تلفزيوني “ان هناك حدودا اذا تخطاها الاسرائيلي فالمقاومة سترد، وان ضرب اي اهداف في سوريا هو استهداف لكل محور المقاومة وليس لسوريا وحدها، وان رد المقاومة على الخروق الاسرائيلية أمر مفتوح”.
فهل يترجم هذه الاقوال بأفعال وقد حصل ما توقعه من اسرائيل، فينفرد مرة اخرى في اتخاذ قرار الحرب ضد اسرائيل حتى وإن كانت الضربة الاسرائيلية وقعت داخل الاراضي السورية وليس داخل الاراضي اللبنانية؟
يرى كثير من المراقبين ان القرار بالرد لن يكون هذه المرة لحزب بمفرده ولا حتى لدولة بمفردها إنما لمجموعة دول معنية وبعد درس كل المعطيات ومناقشة كل الاحتمالات.