IMLebanon

رداً على «المحرّر السياسي»

إن الصفحة الرئيسية من صحيفة «السفير» تُكتب بأقلام «المحرّر السياسي» المعروفة وتُقرأ بتأنٍّ واهتمام كبيرين في جميع المنتديات السياسية والفكرية والديبلوماسية ومن مختلف القراء، ونحن منهم، الذين يرغبون بسبر غور الأوضاع السائدة أو رصد التوجّهات السياسية من فريق سياسي وازن، ونحن منه، في شؤون البلد وشجونه.

صحيح أن الحق مغضبة، إلا أنه يبقى أن يكون حقاً مجرداً من الزيف وأن لا يُراد به باطل، ونحن من الذين نجلّ «السفير» عن الباطل سواء بشخص رئيس تحريرها أو بأقلامها.

عندما نقول «نحن»، نعني قوماً معروف الهوى والانتماء والصدق في التعامل على ما هو نهج كباره. لذلك، نجد لزاماً علينا أن نردّ على الاتهامات التي وردت في الصفحة الرئيسية من عدد صحيفتكم بالأمس والتي كالها «المحرّر السياسي» إلى رئيس كل من «التيار الوطني الحر» و «تكتل التغيير والإصلاح» الوزير جبران باسيل، من باب ما يطمح إليه من موقع وسلطة لا يتجاوزان حدود البترون، حيث تهون، في سبيل هذا الهدف، كل التضحيات الوطنية والنضالات والمعادلات الإقليمية والوطنية والعهود والمواثيق والتفاهمات، فيغيب الوفاء ويحلّ العداء؟

مَن يُحجّم ومَن يُقزّم مَن في هذا المقال، الذي ذهب محرره الى حد لوم فخامة الرئيس عما هو عليه بنقيض؟

إن مسيرة الرئيس النضالية الطويلة تحكي عنه، وليس هو بحاجة إلى أحد كي يُعطى شهادة بخياراته الوطنية الكبرى، التي أثبتت الأحداث أنها صائبة. أما جبران فلا يمكن أن يسأل، او يُسأل العهد الرئاسي الميثاقي والواعد، عن مقولة مزعومة فحواها «اسألوا جبران او انتظروا عودته من السفر»، أو عن تصريح أي موفد عربي يجدول فيه زيارات الرئيس، وهو سيد قراره على أقل ما يُعرَف عنه.

لن نتوقف كثيراً عند الاتهامات الزائفة التي تناولت جبران باسيل من زاوية «جلّ البترون» (..)، والبترون أرض القداسة والشهادة ولا يمكن اختصارها بجلّ، ذلك أن الجميع يعرف أنه رئيس مستحقّ لتيار شعبي وسياسي ونيابي ووزاري وازن جداً وأنه يؤخذ عليه حضوره وليس ضموره وأن خسارته المقعد النيابي على ما ورد في المقال «منذ عودة الجنرال الى بيروت» لم تثنه عن نهج ولم تشدّه إلى سواه.

ما يلفتنا، ونستهجنه، هو ما ورد في خاتمة المقال من أخطر الاتهامات لجهة «تزوير المعطيات في بعض الأحيان»، وهو اتهام مربوط بـ «ليس هكذا يكون الوفاء يا جبران». لا يحتاج المرء الى كثير عناء كي يعرف أن «المحرر السياسي» يستهدف بسهامه العلاقة بين جبران والتيار والتكتّل والعهد مع «حزب الله»، على ما يبرزه المقال في مقدّمته ومتنه، كأن ثمة إنكاراً لمواقف «حزب الله» الصلبة والصامدة على أكثر من صعيد. هذا الحزب الذي لم «يقرّش» يوماً إنجازاته الميدانية وانتصاراته في السياسة الداخلية، على ما يعيب عليه البعض، حتى أن مواقفه في الأمور الاستراتيجية والوطنية الكبرى إنما هي مواقف مبدئية لا يحيد عنها حفاظاً على لبنان وعلى الخط المقاوم للتطبيع مع إسرائيل وللإرهاب التكفيري الذي يضرب المنطقة باسم الاسلام وهو لسماحته عدو.

ألم يقل الحزب بلسان سيده، «قدر لبنان الجميل»، إنه يفصل المسارات ويحرص على السلم الأهلي في لبنان ويقاتل إسرائيل والتكفير القاتل، حيث تفرض عليه الحرب؟ ألم يقل فخامة الرئيس، «رمز وحدة الوطن»، إن المهم هو الاستقرار العام وعدم انتقال شرارات المنطقة الملتهبة الى لبنان؟ ألم يقل دولة الرئيس المكلف إن خطوته الأخيرة بموضوع الاستحقاق الرئاسي إنما هي من باب حرصه على درء أخطار الإقليم عن لبنان؟ هل هذه المواقف الوطنية بشأن عدم جذب «معادلات الإقليم كلها» الى لبنان هي التي يتجاوزها كلها جبران باسيل لتوسُّل هذه المعادلات بالذات وتجييرها لأجل مقعد نيابي (؟!).

نحن لا نمسك دفتراً وطنياً نسجل فيه الوارد والصادر في المواقف المبدئية، بل نحن نعرف، كما يعرف الأقربون في التيار والتكتل والأبعدون، ولأننا نعرف نجد أنفسنا ملزمين من باب الأمانة الوطنية أن نقول ما نعرف، إن العلاقة مع «حزب الله» صاغها جبران باسيل وغالب أبو زينب منذ ان وضعا معاً مسودة تفاهم 6 شباط 2006، وإن هذا التفاهم تكرّس في محطات عديدة، لعل ابرزها اثنتان، الأحدث منهما، في الموقف الصلب والصامد لقطبي التفاهم الذي أدى الى رئاسة ميثاقية تتوافر معها عناصر الشراكة الوطنية، ما من شأنه أن ينقذ الميثاق والكيان الذي أصبح وطناً سنة 1926 من الهلاك والشرذمة، والأسبق منهما، حين وقف عماد الجمهورية في حينه، في اليوم الثاني من حرب تموز 2006، حيث أجاب عن سؤال: «لماذا تؤيد المقاومة؟» فقال: «إنهم اخواننا في المواطنة وأبناء جلدتنا وهم مستهدفون، كما هو مستهدف وطننا وسوف نعيش معاً خسرنا أو ربحنا، إذ إن ذلك هو قدرنا وخيارنا، وما يقوم به العدو هو اعتداء على لبنان، كل لبنان». صمت آخرون كثر في الوقت الجلل.

لن يقدر أحد أن يدخل بسلبياته على خط تفاهمنا مع «حزب الله»، لا سيما أن سيد العهد يردّد، في الاجتماعات المغلقة والعلن، أنه مقاوم لإسرائيل والتكفير.

تبقى العلاقة مع «القوات اللبنانية»، والتي تناولها المقال، حيث يجدر القول، من باب التوكيد، إن إعلان النيات بين «التيار» و«القوات» لم يكن ولن يكون يوماً على حساب أي مكوّن، بل هو مكسب لمكوّننا من باب إعادته الى المشهدية الميثاقية التي غاب عنها ردحاً من الزمن، إذ لا تستقيم شراكة وطنية صحيحة وفعلية من دون هذه المشهدية الجامعة.

إننا نعيش مرحلياً وانتقالياً، منذ 1926، في ظل نظام سياسي هو بتوصيفه العلمي، كونفدرالية طوائف، على ما وصّف صحيحاً رئيس مجلس النواب نبيه بري في أكثر من موقف له، ما يعني أننا، إن رغبنا أن نبلغ يوماً دولة المواطنة المنصوص عنها في وثيقة الوفاق الوطني والدستور، وجب علينا أن نحسن ممارسة شراكتنا الوطنية على أفضل وجه كي نستكين جميعاً الى يومنا وغدنا ومصيرنا، حتى إن غاب مكوّن منا عن مشهدية الحكم والقرار الوطني، ثم عاد إليها بقوة الميثاق والدستور، لا يكون في الأمر غرابة أو استهداف أو اختزال، بل تصحيح مسار يصبّ في مصلحة الوطن أجمع ومكوناته كافة.

اما العلاقة مع «المستقبل»، التي تقلبت، ثم استقرت بمعرض الاستحقاق الرئاسي، فهي مستجدة في الزمن ومنطلقة من قراءة واقعية للأوضاع في لبنان و «معادلات الإقليم»، حيث إن كل شريك في الوطن من منظار الميثاق، إنما هو شريك في صناعة القرار الوطني من دون منّة من أحد. إن الحوار جارٍ في عين التينة وإن المتاريس لا تُرفع بوجه الأشقّاء في البيت الواحد كي تصبح الحياة المشتركة مستحيلة، وعلى ربّ البيت تقع مسؤولية التضامن العائلي.

في الخلاصة العملية، إن الممر الإلزامي لكل حكومة هو فقط توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم تأليفها، ذلك أنه ضامن الميثاقية بفعل قَسَمه بأن يحترم دستور الامة اللبنانية وقوانينها ويحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه، وان أحداً لا يستطيع أن يعيب على هذا الرئيس ثنائيات او تموضعات او محاصصات او أحلاف سلطوية، وهو الآتي من ألم الإبعاد والاستبعاد، وأفق الميثاق لتصحيح المسار في حياتنا العامة.

اما في الخلاصة الوجدانية، فإننا نردد برسم «السفير» ما كتب عمر ابو ريشة في «مواكب عرس المجد» سنة 1947:

«ضلّت الامّة إن أرخت على

جرح ماضيها كثيفَ الحجب».

شهد الله أن انتقادكم ليس إلا طمعاً في أن نراكم فوق كل انتقاد.

(]) وزير سابق