دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي الكتل النيابية إلى تحمّل مسؤولياتها لأننا لا نستطيع الإتكال على الخارج وانتظار الدول الإقليمية لتقرّر عنّا وهذا أمر مخزٍ وينتهك الكرامة الوطنية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يوجّه فيها البطريرك الراعي مثل هذه الدعوة، فربما تكون العاشرة أو أكثر بعد المئة، منذ بدأ الشغور في رئاسة الجمهورية، وقام فريق من المسؤولين والنواب بمنع انتخاب رئيس للجمهورية بذرائع لم يقتنع بها لا البطريرك الماروني ولا أحد من الغيورين الحقيقيين على هذا الموقع الأول في الدعوة، والذي يُشكّل وجوده ضمانة ليس للمسيحيين اللبنانيين، بل وأيضاً لمسيحيّي الشرق، لكن دعوات البطريرك الماروني بقيت صدى يتردّد من دون أن يستجيب أو يتجاوب معه الفريق المعطِّل للرئاسة الأولى، لأن هذا الفريق لا يريد أن يملأ الشغور في رئاسة الجمهورية، إما لأنه لا يريد طمأنة المسيحيين، وإما لأن أسياده في الخارج لا يرون أن لهم أي مصلحة في استقرار الوضع في لبنان وإما الإثنين معا كما أصبح معروفاً وواضحاً من القاصي والداني، ومن جميع المهتمين بأمر الانتخابات الرئاسية في لبنان، وسدّ هذه الثغرة التي تُستغل بل وتُستخدم ورقة مقايضة، الأمر الذي وضع البطريرك الراعي في موقف حرج، فهو لا يستطيع لأسباب كثيرة، وربما خارجة عن إرادته أن يسمّي الأشياء بأسمائها، وأن يقول للمعطِّل أنت المسؤول عن استمرار الفراغ في الرئاسة الأولى، وأنت شريك في المؤامرة التي تستهدف الوجود المسيحي في هذا الشرق، فما كان منه إلا أن لجأ الى التعميم، وتحميل الكل مسؤولية بقاء الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، حتى إذا عوتب من المسيحيين أجاب بأنه لم يقصّر في حثّ الجميع على انتخاب رئيس للجمهورية، ولم يستثنِ أحداً منهم.
لكن الجديد في كلام البطريرك الماروني أنه قارب هذه المرة أزمة استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الأولى بجرأة أكبر من السابق بقوله أن أحداً لن يُقنعه بأن البلد يسير بدون رئيس ومَنْ يحاول يكون يكذب على نفسه، في ظل وجود مجلس نيابي معطَّل وحكومة متعثّرة، ومؤسسات رسمية يعيث فيها الفساد ويستشري، والتعدي على الخزينة العامة يزداد، والمؤسسات غير القانونية تُنشأ يميناً ويساراً وتغطّى قانونياً، والجرائم يغطّيها السياسيون، والقرارات والأحكام لا يمكن تطبيقها إلا بقرار وتوافق سياسي، وهذا الجديد يشي بشكل وبآخر إلى أن البطريرك الماروني وصل إلى حافة اليأس بتعامله مع القيادات المسيحية التي تتصدّر حتى اليوم الصدارة، تحت عناوين الادّعاء بأنها تمتلك الحيثية الشعبية، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن ينازعها أحد على رئاسة الجمهورية، فهذا الموقع من حقّها وحدها أو لا أحد كما أصبح يُدركه كل المسيحيين وكل اللبنانيين، ويُدركون معه من يعطِّل الانتخابات الرئاسية ومَنْ المسؤول عن هذا التعطيل، حتى يأتي البطريرك بعد مئات الدعوات ويعمّم مسؤولية التعطيل على الجميع.
لقد حان الوقت الذي يتوجّب فيه على سيّد بكركي النطق بالحقيقة، لا الاستمرار في التعميم طالما أن كيله طفح وهو يعرف قبل أي لبناني آخر من يتحمّل مسؤولية بقاء الشغور في رئاسة الجمهورية، ومَنْ يتحمّل مسؤولية تفريغ لبنان من مسيحييه إذا ما استمر الحال على ما هو عليه الآن، وظل صوت بكركي خافتاً أو محايداً، ولم يلجأ إلى تسمية الأشياء بأسمائها حتى يتحمّل فعلاً كل واحد مسؤوليته تجاه المسيحيين وتجاه الوطن.