Site icon IMLebanon

المسؤولون عن تعطيل الانتخابات الرئاسية ثلاثة أولهم المتغيّبون عن الجلسات دون عُذر

بات في الإمكان بعد مرور أكثر من 19 شهراً على الشغور الرئاسي تحديد المسؤولين عن هذا الشغور وانعكاسه سلباً على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية وحتى على مصير لبنان.

إن أول المسؤولين هم النواب الذين تغيّبوا ولا يزالون يتغيبون عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية من دون عذر شرعي مخالفين بذلك الدستور مخالفة صريحة، وهو ما سيحاسبون عليه أمام الله والوطن والتاريخ والناخبين. فالدستور نصّ بصراحة ووضوح وبما لا يدع مجالاً للشك على أن انتخاب رئيس للجمهورية هو أولوية الأولويات وأن لا ضرورة تفوق ضرورة انتخابه. فالمادة 73 تنص على الآتي: “قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر، يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدعَ المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس”. فأي نص أوضح من هذا النص الذي أراد به المشترع أن يقدم انتخاب رئيس الجمهورية على أي عمل آخر بقوله: “إذا لم يدعُ رئيس المجلس لانتخاب الرئيس لأي سبب من الأسباب، فإن على مجلس النواب أن يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل أنتهاء ولاية الرئيس”. فعندما يستخدم المشترع كلمة “حكماً” فلا سبيل عندئذ لأي اجتهاد أو تفسير يبرر عدم حضور النائب جلسة الانتخاب من دون عذر شرعي، بل ان هذا الحضور يكون واجباً مقدساً ومسؤولية وطنية حتى اذا ما تخلّى عنه يكون حسابه عند الله والوطن والتاريخ والناخب. وقد أكدت المادة 74 أولوية انتخاب رئيس الجمهورية بالقول: “اذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية من دون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية”، اي ان اجراء انتخابات نيابية يصبح ضرورة من أجل أن ينتخب المجلس المنبثق منها رئيس الجمهورية. وعادت المادة 75 وأكدت أيضاً أولوية انتخاب الرئيس على أي عمل آخر بالقول: “إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر”.

أما المسؤولية الثانية فتقع على عاتق الأحزاب والكتل النيابية التي عليها أن تسمي مرشحها لرئاسة الجمهورية اذا تعذّر عليها الاتفاق مع الآخرين على مرشح تزكية. وهو ما لم تفعله بل ان كل ما فعلته هو أن قوى 14 آذار رشّحت الدكتور سمير جعجع للرئاسة الاولى، لكن قوى 8 آذار، ولغاية في النفس، لم ترشح منافساً له بل اكتفى نوابها بإلقاء أوراق بيضاء في صندوق الاقتراع ثم قرروا التغيّب عن جلسات الانتخاب حتى من دون عذر شرعي وبهدف تعطيل نصابها لتحول دون اجراء هذا الانتخاب، في حين كان يفترض فيها ان ترشح العماد ميشال عون رسمياً منافساً لجعجع لا أن يبقى ترشيحه غير رسمي وخارج مجلس النواب لتناور به.

وأما المسؤولية الثالثة فتقع على عاتق الأقطاب الموارنة الأربعة الذين لم يتوصلوا الى اتفاق على ترشيح واحد منهم ليكون رئيس الجمهورية ممثلاً تمثيلاً صحيحاً بيئته ومقبولاً من الشريك المسلم، ولا اتفقوا على تسمية مرشح من خارج صفهم يكون مقبولاً من 8 و14 آذار، ولا عاد نواب في 8 آذار عن مقاطعتهم جلسات الانتخاب لكي يكتمل نصابها ويترك للنواب حرية انتخاب من يشاؤون من المرشحين المعلنين وغير المعلنين.

وعندما دعا الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى “تسوية شاملة” للخروج من أزمة الانتخابات الرئاسية ردّ الرئيس سعد الحريري باقتراح ترشيح النائب سليمان فرنجيه وهو من أركان 8 آذار ومن خط سياسي مناهض علناً لخط 14 آذار، فعوض أن يأتي القبول من 8 آذار كان رفض أو صمت من بعض أركانه ولا قرار، ولكل أسبابه وغاياته ومن دون تقديم حلّ بديل يخرج لبنان من أزمة الانتخابات الرئاسية التي لها مضاعفاتها الخطيرة إذا طالت.

والسؤال المطروح هو: كيف السبيل الى الخروج من أزمة الانتخابات الرئاسية القاتلة؟

الواقع أن لا سبيل إلا باعتماد أحد الحلول الآتية اذا كانت كل الأحزاب والكتل حرة في اتخاذ مواقفها وغير مقيّدة بأي خارج له حسابات غير حساباتها.

الحل الأول: أن تتوصل قوى 8 و14 آذار الى اتفاق على مرشح واحد يفوز بالتزكية كما حصل عند الاتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان.

الحل الثاني: أن تسمي قوى 8 آذار مرشحاً ينافس مرشحاً تسميه قوى 14 آذار ويكون الفوز لمن ينال أكثرية الأصوات المطلوبة.

الحل الثالث: أن يحضر كل النواب جلسة الانتخاب تطبيقاً لأحكام المواد 73 و74 و75 من الدستور، وتنتخب الأكثرية المطلوبة من تشاء رئيساً للجمهورية. فإذا لم تعتمد الأحزاب والكتل أي حل من هذه الحلول فإنها تتحمل المسؤولية الكاملة أمام الله والوطن والتاريخ، وتكون أفسحت في المجال لأي خارج قوي لفرض رئيس عليهم وإن مرفوضاً منهم.