في ميزان السلبيات والايجابيات عند مقاربة نتائج الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، يمكن تسجيل تقدم في ايجابية تخفيف التوتر بين جمهوري الطرفين، لم يصل الى مستوى القول بان العلاقة اصبحت على ما يرام، وان التشنج المذهبي السني – الشيعي اصبح من الماضي، لان المناسبات التي احتفل بها الفريقان منذ بدء حوارهما، كشفت – حتى الآن – ان رماد الاستيعاب يخفي النار المتقدة تحته، ولكنه عاجز عن اهمادها، كما ان ايجابية التوافق على خطط امنية في بعض المناطق لم تأخذ مداها الحقيقي، وتخللها خروقات لا بأس بها، وخصوصا في طرابلس – والبقاع الشمالي، ما يؤشر الى صعوبة تنفيذها بما يسمح للقوى الشرعية من ضبط الامن في هذه المناطق، وقد يعوق او ينسق قيام خطط مماثلة لبيروت وضاحيتها الجنوبية ومناطق ومدن اخرى، كما انه لا يمكن البناء على مثل هذه «الايجابيات» المنقوصة، لتحقيق نتائج ثابتة في الحوار حول الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان بوجه اسرائيل، واستراتيجية مقاومة الارهاب على مختلف اشكاله، وسلاح حزب الله، ونشاطه العسكري في سوريا والعراق، وفي اي مكان ترى المقاومة الاسلامية ان هناك ضرورة للتدخل كما ان الاختلاف في الرؤية والاهداف، الذي ظهر بوضوح في مواقف رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري وامين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، حول هذه القضايا، وحول انتخاب رئيس للجهمورية، لا يبشر بامكان الوصول الى تفاهم حول هذه القضايا المصيرية ولو في حده الادنى – بما يريح جمهور الطرفين والشعب اللبناني عامة، واذا كان السيد حسن نصر الله، قبل بطرح سعد الحريري البحث في استراتيجية لمقاومة الارهاب، الا انه منذ البداية وضع حدودا لهذه الاستراتيجية، عندما حصرها بمقاومة الارهاب التكفيري، ولم يلتق مع الحريري في التحديد الذي وضعه، بان الارهاب يشمل ايضا ارهاب الانظمة ضد شعوبها وضد غيرها من الدول.
يمكن القول بالنسبة الى هذا الحوار، ان الدخان الرمادي هو سيد مدخنة عين التينة، والى ان يتحول هذا الدخان الى اللون الاسود، علامة الفشل، او الابيض علامة النجاح، ستبقى انظار اللبنانيين مشدودة الى مدخنة حلال المشاكل، رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
***
بالنسبة الى حوار حزب القوات والتيار الوطني، فان مدخنتي معراب والرابية، تنفثان دخانا رماديا مائلا الى الابيض رغم محاولات بعض المتضررين تحويله الى اسود قاتم، لان ارادة التفاهم على ما يبدو هي الغالبة لدى الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون «واعلان النيات» المنتظر بين الفريقين، لن يتأخر كثيرا، واصبح على «لياليه» وبعده سيتم لقاء عون – جعجع، للتأكيد على النيات الحسنة التي حكمت حوارهما، على ان يحدد لقاء اخر بعد انتهاء الحوار للتوقيع على ورقة ما تفاهم عليه الرجلان، اما اذا كان البعض الذي تأثر بما تم تداوله او تسريبه في الاعلام، وينتظر دخانا ابيض نقيا يشير الى استعداد جعجع لتأييد عون الى منصب رئاسة الجمهورية، فإنه على الارجح سيصاب بخيبة امل، لان الحوار لم يدخل في عمق هذه المسألة، وفي الاشخاص تحديدا، انما تناول حتى الآن على اقله، مفهومهما المشترك لمنصب الرئاسة الاولى، وعدم امكانية التفاهم على شخص العماد عون، تعود، وفق قيادي قواتي الى خلاف اساسي على المفاهيم والمبادئ لقيام دولة سيدة متحررة من كل ضغط او قيد او قوة، وعند الوصول الى تفاهم على هذه الثوابت والمبادئ، تسقط عندها كل التحفظات والفيتوات على الاسماء، طالما ان هناك تفاهما على المبدأ.
جميع التجارب السابقة تؤكد انه بعيدا من تقديم تنازلات معينة من الافرقاء جميعا تسمح بالوصول الى تفاهم مشترك يبنى عليه لحماية لبنان من الاخطار المحدقة به، فإن لبنان مقبل على ايام صعبة وعصيبة وخطرة، واذا كان اللبنانيون وقعوا في شر الحرب سابقا، لأنهم لم يفكروا بأن الحرب يمكن ان تحصل، فلا شيء يغدرهم اليوم لأن الحرب تدق ابوابهم وهم يدرون بذلك.