Site icon IMLebanon

واشنطن لنتنياهو: الحرب «هدية» لبوتين!

 

 

مثلما ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى واشنطن عاد منها: الحرب الواسعة ممنوع عليه شنّها، وليذهب الى وقف إطلاق نار وهدنة في قطاع غزة، لأنّ الولايات المتحدة ليست في وارد تقديم «هدية مجانية» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإغراق نفسها في حربٍ من هذا النوع ليخلو له الجو ويحسم الحرب على أوكرانيا وفق مشيئته، على حد تعبير ديبلوماسي خبير في السياسة الخارجية الاميركية.

ويقول هذا الديبلوماسي انّ ردة الفعل الاميركية على زيارة نتنياهو لواشنطن وخطابه امام الكونغرس الاميركي كانت سلبية، بدليل قول رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، وهي من الحزب الديموقراطي، ان هذا الخطاب «هو أسوأ خطاب لرئيس اجنبي يُلقى في تاريخ مجلسي النواب والشيوخ الاميركيين». ولذلك قاطعته ومثلها فعلت نائبة الرئيس كامالا هاريس التي كان ينبغي ان تحضر الى جانبه، وكذلك قاطَعه مسؤولون آخرون في المجلسين، وانّ ما شاهده العالم على شاشات التلفزة في قاعة الكونغرس كان التصفيق الذي أعدّه اللوبي الصهيوني مسبقاً بحيث انه ألزم الجميع به «الّا من رحم ربي»، وذلك تحت طائلة الويل والثبور وعظائم الامور ان لم يصفقوا. فمن أصل 500 عضو يتكوّن منهم الكونغرس قاطعَ نحو 150 عضواً (بين سيناتور ونائب) جميعهم من الحزب الديموقراطي، فيما بقية الديموقراطيين الذين حضروا الى جانب الاعضاء الجمهوريين لم يتفاعلوا مع خطاب نتنياهو ولم يصفقوا له لا وقوفاً كما فعل الجمهوريون، ولا جلوساً. علماً، يقول الديبلوماسي، انّ هذا التصفيق أُريد منه تعويض نتنياهو عن عدم اهتمام ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن بزيارته، بحيث انه لم يستقبله احد لا من البيت الابيض ولا من وزارة الخارجية الاميركية عند وصوله الى العاصمة الاميركية. ولذلك سارعَ اللوبي الصهيوني الى استدراك الامر بإصدار «امر عمليات» الى من يعنيهم الامر بأن يكون التصفيق له كيثفا وحادا عند كل مفصل من خطابه امام الكونغرس. فهذا اللوبي قوي جدا في البلاد الاميركية، ومن المؤكد انه هو من طلب من النواب والشيوخ التصفيق بشدة لنتنياهو تحت طائلة ذهاب المستقبل السياسي لأيّ متردد او ممتنع عن هباء منتور…

ولذلك، يقول الديبلوماسي، جاءت همروجة التصفيق هذه تعويضاً لعدم اهتمام الادارة الاميركية بزيارة نتنياهو او عدم اعطائها الاهمية التي تستحق في رأي ذلك اللوبي الذي يكاد ان يكون الحاكم في الولايات المتحدة الاميركية. وقد أحصى بعض الذين تَتبّعوا وقائع الجلسة ان التصفيق وقوفا لنتنياهو حصل في 52 مرة، الى درجة ان نتنياهو نفسه «تضايق» في بعض المرات من هذا التصفيق الذي فاقَ حده الطبيعي.

 

على ان رئيس الحكومة الاسرائيلية كان مقرراً له ان يلتقي بايدن وهاريس في البيت الابيض قبل الثلاثاء، اي قبل القائه خطابه في الكونغرس، ولكن الموعد أُرجىء في الوقت الذي حدّد الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب الجمعة اي امس موعداً للقاء مع نتنياهو في منزله في فلوريدا. مع العلم ان بينهما ما صنعه الحدّاد ويحاول نتنياهو ان يتجاوزه. لكن ترامب لم ينس له «فعلته» التي تمثلت في امرين: الاول، مبادرة نتنياهو الى الاتصال ببايدن مهنئاً بالفوز عام 2020 في الوقت الذي لم تعلن نتائج الانتخابات الرسمية بعد حيث كان ترامب يتحدث عن تزوير وأخطاء في هذه النتائج، ويعتبر نفسه انه هو الفائز وليس منافسه، والجميع يذكر ما حصل يومذاك من خلافٍ وصل الى حدود اقتحام انصار ترامب لمبنى الكونغرس والعبث فيه قبل ان تخرجهم قوى الامن الاميركية منه عنوة، وما تزال هناك ملاحقات قضائية في هذا الامر لترامب ومجموعات من مناصرية حتى الآن. والامر الثاني هو انّ ترامب اعتبر ان نتنياهو «طَعنه في الظهر» لأنه انسحب في اللحظة الاخيرة من عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني في بغداد مطلع كانون الثاني 2020، وذلك رغم كل ما قدمه له خلال ولايته في البيت الابيض حيث أمر بنقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس واعترف بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل، وأيّد ضَم الجولان السوري المحتل الى اسرائيل.

لكن الديبلوماسي المخضرم نفسه، يلاحظ انّ هناك خلطاً بين موقف الادارة الاميركية من نتنياهو سياسيا وشخصيا، وموقفها من «دولة اسرائيل». ويقول ان الادارة مختلفة مع نتنياهو ولكنها ليست مختلفة مع اسرائيل، فالسياسة الاميركية تجاه الدولة العبرية لم تتغير قبل زيارة نتنياهو لواشنطن ولن تتغير بعدها، اذ ستستمر الولايات المتحدة في تقديم الدعم والمساعدة لإسرائيل في كل المجالات على رغم من انها مقبلة على انتخابات رئاسية في الخامس من تشرين الثاني المقبل، وقد اقامت لها جسرا جويا غداة عملية «طوفان الاقصى» وقدمت لها الاسلحة والذخائر ولا تزال بكميات هائلة ومنها القنابل من زِنة الخمسمئة رطل الى الالفي رطل، والتي استخدمتها ولا تزال تستخدمها ضد المناطق السكنية في قطاع غزة خلافاً لتحذيرات واشنطن.

 

ولذلك، يضيف هذا الديبلوماسي، انّ السياسة الاميركية الداعمة لإسرائيل لا يمكن ان تتغير وان حصلت خلافات مع نتنياهو وغيره من المسؤولين والسياسيين الاسرائيليين، فاللوبي الاسرائيلي ساهِرٌ دائِمٌ على هذه السياسة. ويؤكد الديبلوماسي نفسه ان واشنطن حاولت وتحاول بقوة منع نتنياهو من الدخول في حرب واسعة حتى لا تكون بمثابة «هدية مجانية» لبوتين، علماً ان حديث نتنياهو عن «الانتصار الكامل» امام الكونغرس سأله كثيرون عن ماهيته ولكنه لم يقدم أي جواب وافٍ، بل انه تهرّب من الجواب بالحديث عن ان اسرائيل هي «خط الدفاع الاول عن اميركا والغرب في مواجهة ايران»، معتبرا ان «على الولايات المتحدة الاميركية ان تساعد اسرائيل حتى تحميها من الخطر الايراني»، فكان جديد الخطاب هنا هو ان نتنياهو اراد ان يقول «ان اسرائيل تحمي اميركا».

وينتهي هذا الديبلوماسي الى القول انّ نتنياهو يطمح في ظل تقدم حظوظ ترامب للعودة الى البيت الابيض، ان يعود الى «صفقة القرن» «اتفاقيات ابراهيم» التطبيعية، على ان يحسم موقفه النهائي من القضية الفلسطينية بعد انجاز هذه الاتفاقيات. وغالب الظن انه لن يكون في وارد القبول بدولة فلسطينية وإنما بشيء اسمه «تحسين حياة الفلسطينيين»، وهو التعبير الذي ورد كثيراً في «الادبيات السياسية» لما سُمّي «صفقة القرن».