معاودة الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» يمهّد لاختراق في الأزمة السياسية القائمة
مؤشر على سقوط أساليب الاستقواء بالسلاح والاستيلاء على السلطة بالقوة واستبعاد الخصوم بالترهيب
ويبقى الإستحقاق الأهم: الاستفادة من تجارب السنوات الصعبة التي سادت العلاقات بين الطرفين إنطلاقاً من عدم تكرارها
تبدأ اليوم مرحلة سياسية جديدة في لبنان مع انطلاق الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» بعد سنوات من الانقطاع والخصومة السياسية، ظهرت بوادرها بتهدئة سياسية وانحسار ملحوظ في التوترات الأمنية التي كانت تحصل من وقت لآخر في مناطق عديدة واسترخاء في الأجواء العامة، برغم المحاذير والشكوك التي تراود الكثيرين من الوسط السياسي والرأي العام بصعوبة التوصل الى تفاهمات وقرارات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع في وقت قريب بفعل تشابك الأوضاع والمصالح الداخلية مع التطورات في المنطقة واستحالة فصل هذه التشابكات في الوقت الحاضر وقبل إيجاد حلول إقليمية ودولية للصراعات الدائرة، إن كان في سوريا أو العراق وغيرها.
إلا أن هذه الشكوك والمخاوف من عدم توصل الحوار الى حل جذري للعديد من الملفات الخلافية المعقدة سريعاً، لا يعني استبعاد اختراق الجمود السياسي الحاصل انطلاقاً من تحقق التفاهم على حل ملف الأزمة الرئاسية والتوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية، لأن مثل هذا الاختراق إذا حصل يعني تحقيق تقدم مبدئي في الولوج الى حل تدريجي للأزمة السياسية في البلد،ومن خلاله يتم مقاربة كل ملف خلافي على حدة برعاية وحضور الرئيس الجديد وهذا يعني في النهاية نجاح الحوار ولو بشكل جزئي في تحقيق الأهداف المرجوة منه ولو تطلب الأمر وقتاً طويلاً وجلسات عديدة وصعوبات منتظرة بفعل التعقيدات المتراكمة.
أما المؤشرات المهمة في معاودة الحوار بين الطرفين ولا بدّ من اخذها بعين الاعتبار، فهي أولاً فشل كل أساليب اللجوء إلى السلاح تصفية الخلافات السياسية والاستئثار بالسلطة، مهما تعددت هذه الأساليب التي لجأ إليها الحزب منذ جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانسحاب قوات النظام اسوري من لبنان في ربيع 2005، إن كان باحتلال وسط بيروت وشل العصب الاقتصادي للعاصمة، أو باجتياح بيروت في السابع من أيّار عام 2008 بالسلاح الميليشيوي للحزب وغيرها وما نتج عن هذه الأساليب من تباعد وكراهية وارتدادات سلبية محلية وعربية ودولية ضد سلاح الحزب وتغيير النظرة الإيجابية الداعمة له كسلاح مقاوم ضد إسرائيل، واستبدلها بمناهضة هذا السلاح واعتباره سلاحاً ميليشيوياً يخدم مصالح المشاريع المذهبية في المنطقة العربية ولبنان من ضمنها ويصب في خدمة مشروع الهيمنة الإيراني على المنطقة العربية عموماً كما أظهرت وقائع تدخل الحزب إلى جانب نظام الأسد ضد شعبه في سوريا.
اما المؤشر الثاني، فهو العجز عن حكم لبنان من جانب فريق واحد «حزب الله وحلفائه» بقوة السلاح خلافاً لنتائج الانتخابات النيابية كما حصل خلال الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري نهاية العام 2010 بناءً لمؤامرة بين نظام بشار الأسد والنظام الإيراني وتنصيب نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة خلافاً لرغبة وتأييد معظم الشعب اللبناني، وما نتج عن هذا الواقع المفروض فرضاً من تأزم سياسي واهتراء في سلطة الدولة وهيبتها وتراجع أداء المؤسسات والإدارات العامة وتردي الواقع الاقتصادي وتراجع ثقة الدول العربية والمجتمع الدولي بالفريق السلطوي المعين يومذاك والتداعيات السلبية الخطيرة لهذا الواقع على الوضع العام في البلد والتي ما تزال أثاره الضارة سائدة حتى الآن وتتم معالجتها بفعل الفشل الذريع في إدارة السلطة من قبل الفريق السياسي المأمور من الحزب وعدم استطاعته فرض نفسه كبديل عن الفريق السياسي المنتخب من قبل الشعب اللبناني «تيار المستقبل وتحالف قوى 14» برغم كل مقومات الدعم المعنوي والسياسي وجرعات القوة التي تولى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله شخصياً القيام بها سراً وعلانية للترويج لمثل هذه المعادلة المصطنعة والتي لم تتمكن من الوقوف على أرض صلبة في يوم من الأيام. ويبقى المؤشر الثالث والأهم وهو استحالة استمرار الخصومة السياسية وحل المشاكل القائمة والخلافية منها على وجه الخصوص بالقطيعة، والاستعداء السياسي مهما تعددت الأسباب والذرائع لذلك ومهما استعملت خلالها من اساليب الاستعلاء والاستقواء والتهديد والترهيب وتعطيل المؤسسات ومصادرتها كما فعل الحزب طوال السنوات الماضية لأن مثل هذه الاساليب زادت في حجم المشاكل القائمة وإلى تعقيد حل الأزمة السياسية التي يُعاني منها لبنان والى تراجع ملحوظ في أداء المؤسسات والادارات على اختلافها. وكان لا بد في النهاية من معاودة الحوار المقطوع بين الطرفين الأساس وسلوك طريق الجلوس وجهاً لوجه ومباشرة للبحث عن حل للمشاكل والملفات الخلافية الموجودة وإن طال أمد الحوار المرتجى إلى وقت غير محدد وبرغم ما تعصف به من محاذير وشكوك من كلا الطرفين معاً، لا سيما بعدما كان سبقه حوار غير مباشر بينهما من خلال مشاركتهما معاً في حكومة الرئيس تمام سلام الحالية وجلوس ممثلين عنهما الى طاولة مجلس الوزراء ومناقشة العديد من المشاكل الموجودة في البلد وتهم الناس.
ويبقى التحدي الأهم الذي يواجه مرحلة بدء الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» هو الاستفادة من تجارب السنوات الصعبة التي سادت العلاقات بين الطرفين انطلاقاً من عدم تكرارها وخصوصاً من الحزب والانكباب على برمجة حل المشاكل والملفات الخلافية بما فيها ملف سلاح الحزب المعقد، وإن طال البحث فيه بعدما أظهرت التجارب ان تفلت السلاح وبقائه على وضعيته بمعزل عن مرجعية الدولة اللبنانية سيبقى عاملاً غير مساعد لقيام مشروع الدولة ومعطلاً لقيام علاقات طبيعية بين كل مكوناتها وعنصر تفجير سياسي مستمر بين اللبنانيين.