معاودة الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» تتطلّب إعادة الحد الأدنى من الثقة المفقودة بينهما
إنقلاب الحزب على مقرّرات الحوار يطرح تساؤلات عمّن يضمن تنفيذ ما يتم التوصل إليه
التراكمات وتفلّت الحزب من التزاماته وتعهداته السابقة والانقلاب عليها تشكّل جدولاً مثقلاً لأي حوار مرتقب بين الطرفين
ما تزال التساؤلات تطرح في الوسط السياسي عموماً عما سيكون عليه موقف «تيار المستقبل» من الكلام الذي قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مؤخراً وأبدى فيه استعداد الحزب لفتح حوار مع «تيار المستقبل»، وهل سيتجاوب معه بالسرعة التي يتوقعها البعض، أم يتريّث حالياً بالرد عليه لوجود صعوبات وعراقيل ما تزال تعترض بدء هذا الحوار وتحول دون حصوله في الوقت الحاضر؟
لا يخفي مصدر بارز في «تيار المستقبل» أن كلام نصر الله الأخير تضمن نقاطاً إيجابية محددة برغم العديد من السلبيات التي غلفته على وجه العموم، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار هذه النقاط الإيجابية وخصوصاً ما يتعلق منها بحرص الحزب على منع الفتنة السنّية الشيعية وهي المسألة التي يتلاقى فيها مع التيار الذي يحرص كل الحرص على الرفض القاطع لكل محاولات جرّ لبنان لهذه الفتنة المدمّرة التي تضرب العديد من الدول العربية ويعمل ما في وسعه لقطع الطرق على إي كان لإثارة هذه الفتنة تحت شعارات مختلفة لأنها سترتد في النهاية على الجميع من دون استثناء وتضرّ بالبلد كله.
أما النقطة الإيجابية المهمة أيضاً، فهي الاستعداد لفتح الحوار مع «تيار المستقبل» الذي لم يكن البادئ في قطع الحوار، ليس مع «حزب الله» وحده، وإنما مع أي طرف سياسي آخر في البلد، لإيمانه بأن الحوار هو السبيل الوحيد لتلاقي جميع مكونات لبنان للبحث في المشاكل والمسائل الخلافية في ما بينهم أياً كانت والسعي بكل الامكانات والجهود المطلوبة لوضع الحلول الملائمة لها، ولأن الحوار هو النقيض لسلاح الترهيب الذي يستعمله الحزب لحسم الخلافات السياسية لصالحه وما يزال يتمسك به لتحقيق مصالحه الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء.
ويضيف المصدر أنه لطالما طرح «تيار المستقبل» المبادرات، المبادرة تلو المبادرة للحوار وكان آخرها مبادرة الرئيس سعد الحريري في هذا الخصوص لإخراج البلد من أزماته المتتالية وفي مقدمتها انتخاب رئيس جديد للجمهورية إيماناً منه بأن انتظام الحياة السياسية واستعادة هيبة السلطة لا يمكن أن يحصلا في ظل غياب رئيس للجمهورية، وبالتالي لا بد من الاخذ بعين الاعتبار هذه النقطة الايجابية لفتح الحوار والتعاطي معها من هذه الزاوية المفتوحة، في حين أن الرد عليها وإعطاء الاجوبة بخصوصها ليس مسألة بهذه السهولة التي يراها بعض السياسيين وإنما يتطلب الأمر التمعّن المتأني للدعوة ودراستها بهدوء والرد عليها انطلاقاً من الوقائع والمعطيات القائمة حالياً على الأرض وعمّا إذا كان الحوار المرتجى يوصل الى تحقيق الاهداف المتوخاة منه لإخراج لبنان من أزماته التي تتراكم أزمة تلو الأزمة، أم أن الحوار يبقى مجرد محاولة لكسب الوقت ولن يؤدي الى أي نتيجة إيجابية تنعكس انفراجاً ملموساً في معظم المسائل الخلافية المطروحة في الوقت الحاضر.
ومن وجهة نظر المصدر المذكور فان التجاوب مع كلام نصر الله بخصوص معاودة الحوار مع «تيار المستقبل» يتطلب بشكل أساسي إرساء حدّ أدنى من إعادة الثقة المفقودة بين الحزب والتيار، لأنه من دون توفير الحد الأدنى من هذه الثقة لا يمكن البدء بحوار منتج يوصل إلى التفاهم على المشاكل الخلافية الملحة والتي لم تعد تحتمل أي تأجيل في المرحلة الحالية نظراً لانعكاساتها السلبية الخطيرة في ظل تفاعل الحروب الدائرة في المنطقة العربية وتأثر لبنان بتداعياتها الخطيرة في بعض المناطق الحدودية وبالداخل على حدّ سواء.
ويعزو المصدر أسباب انعدام الثقة بين التيار والحزب لعدم التزام الأخير بما كان يتم الاتفاق عليه في جلسات الحوار المتعددة التي دوّنت وقائعها في محاضر رسمية بحضور جميع الأطراف السياسيين، بدءاً من الجلسات التي عقدت في المجلس النيابي والتي لم يلتزم بها الحزب الذي تسبب بالعدوان الإسرائيلي على لبنان في حرب تموز عام 2006 متجاوزاً كل ما تمّ الاتفاق عليه ومن ثم لجوئه إلى السلاح غير الشرعي لاحتلال وسط بيروت واجتياح العاصمة في السابع من أيّار عام 2008 والترهيب بالسلاح للإتيان بحكومة نجيب ميقاتي السابقة خلافاً لنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، وأخيراً الانقلاب على «تفاهم بعبدا» بعد ساعات معدودة من التوقيع عليه وكان حبره لم يجف بعد والذهاب إلى سوريا للقتال إلى جانب نظام الأسد متفلتاً من سياسة «النأي بالنفس» التي أقرّتها الحكومة السابقة بمشاركة وزراء من الحزب فيها.
ولا تقتصر اسباب انعدام الثقة بين الجانبين على الأمور المذكورة، بل إن طرح الأمين العام لحزب الله لإسم النائب ميشال عون كمرشح للحزب لرئاسة الجمهورية في المناسبة نفسها، لا يدل على تسهيل مبدأ معاودة الحوار، بل يُشير إلى محاولة لوضع العصي في الدواليب وإرباك الأطراف الأخرى، وقد يكون وراء هذا الطرح في نظر العديد من المراقبين حصر الحوار بمسألة الرئاسة فقط، في حين ان المسائل الخلافية التي أدّت إلى القطيعة تتجاوزها إلى مشاكل مهمة، تبدأ بمسأل وضعية سلاح الحزب ككل، إخفاء المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، قيام مشروع الدولة ككل ومشاركة الحزب بالقتال الدائر بسوريا وإلى ما هنالك من مسائل أخرى.
ويتساءل المصدر البارز أن هذه التراكمات وتفلُّت الحزب من التزاماته وتعهداته السابقة والانقلاب عليها تشكّل جدولاً مثقلاً لأي حوار مرتقب بين الطرفين، وهذا يتطلب دراسة متأنية قد تستغرق وقتاً طويلاً للتأكد من جدوى أي حوار وفائدته؟
ويبقى السؤال المطروح في رأي المصدر: مَن هي الجهة الضامنة لتنفيذ ما يمكن الاتفاق عليه في أي حوار يحصل بين الطرفين؟ وحتى الساعة لا جواب من أي جهة على السؤال المذكور.