Site icon IMLebanon

البرهة المؤاتية لقيامة لبنان

 

 

 

في السنة الثانية لبداية الثورة السورية صدر كتابي بعنوان «الربيع العربي والبركان السوري – نحو سايكس – بيكو جديد». واردت في حينه ان يحمل عنوان الكتاب دلالات عمّا كنت اتوقع حدوثه في سوريا. فالبركان يثور ويهدأ، ليعود وينفجر من جديد، واردت ان اعطي دلالات عمّا كنت اتصوُّر حدوثه في الجيوبوليتك لبلاد الشام، حيث ان اتفاق سايكس  -بيكو قد رسم الحدود الجديدة لها ولدول الجوار. ويبدو الآن وبعد التطورات الراهنة بأن توقعاتي لم تكن بعيدة عن مسار الاحداث التي شهدتها سوريا ما بين عام 2011 وعام 2024، لقد تقطعت الاوصال والروابط بين مختلف المحافظات السورية، فبقيت دمشق تحت سيطرة نظام بشار الاسد فيما خضعت المحافـظات الاخرى لسيطرة ايران وروسيا وحزب لله، وتركيا والاكراد، وحصرت فصائل الثورة او ما تبقَّى منها في محافظة ادلب بقيادة جبهة النصرة.

اعطى تدخل روسيا وايران وحزب الله فرصة طويلة للنظام تقارب عقداً كاملاً للبحث عن حل سياسي للأزمة انطلاقاً من مندرجات قرار مجلس الامن 2254، ولكنه رفض اعتماد اية مقاربة سيايسة تقود الى مصالحة وطنية.

 

وكان من المتوقع ان تطالبه الدول العربية ومعها جامعة الدول العربية بعد اعادة العلاقات والاعتراف بشرعيته بالبحث عن تسوية مع معارضيه تمهيداً لاعادة توحيد البلاد، والحد من النفوذين الروسي والايراني. لقد ظن بشار الاسد بأنه يمكنه حكم سوريا مدى حياته، وان يورثها لابنه، كما ورث حكمها عن والده حافظ، مستنداً على قوة حلفائه من جهة، وعلى عنف اجهزته الامنية وظلمها للشعب السوري، حيث زاد عدد المعتقلين في سجونها على 300 الف سجين، هذا بالاضافة الى قتل ما يزيد عن نصف مليون وتهجير 12 مليون مواطن.

حاول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اعادة فتح العلاقات مع بشار الاسد، وكان الجواب برفض القيام بأية خطوات لتحسين العلاقات او اجتماع الرئيسين، مشترطاً انسحاباً كاملاً وغير مشروط للقوات التركية من المناطق التي تحتلها داخل سوريا. وكان الرد التركي بالطلب لفصائل المقاومة بقيادة هيئة تحرير الشام، بالهجوم العام ضد قوات النظام بدءاً من ريف ادلب وامتداداً الى حلب وحماه وحمص ووصولاً الى العاصمة دمشق. وكانت نتائج الهجوم مذهلة ومفاجئة لجميع الدول ولحلفاء النظام روسيا وايران وحزب لله بعد ان سقطت دمشق وغادرها بشار يوم الاحد الماضي، وبعد 12 يوماً فقط من بدء الهجوم الصاعق، لقد انسحبت قوات الجيش العربي السوري امام قوات المعارضة دون اية مقاومة تذكر. وكانت خلايا الثورة النائمة ومعارضو النظام قد استولوا على مقاليد الامور في السويداء ودرعا، وبدأوا الاعداد للتوجه الى دمشق. جاء هذا السقوط السريع للنظام نتيجة مجموعة من الاسباب ابرزها:

 

اولاً، قيام اسرائيل بمئات الغارات خلال سنتين داخل سوريا مستهدفة حزب لله والقوات الايرانية من اجل اضعافها، وتدمير شحنات الاسلحة القادمة من ايران لدعم ترسانة الحزب ولم تنجح مواقع دفاعية وعسكرية تابعة للنظام من منع هذه الغارات.

ثانيا، ادت الحرب بين اسرائيل وحزب الله الى خسارة الحزب للقسم الاكبر من ترسانته الدفاعية والهجومية، مع تسجيل فشل ايران في الدفاع عن الحزب بصورة فعّالة او حاسمة.

ثالثاً، اضعاف النفوذ الايراني في سوريا ولبنان بفعل خسارة حزب لله الحرب مع اسرائيل، ونتيجة الاستهدافات الاسرائيلية للقيادات الايرانية لقواتها داخل سوريا.

رابعاً، فشل الرئيس الاسد في تقبّل المطلب التركي للحوار والبحث عن تسوية مشرّفة لكل الاطراف.

خامساً، انشغال روسيا كلياً في الحرب في اوكرانيا وسحب قسم من القوات الروسية من قاعدة حميحيم.

سادساً، ضعف معنويات الجيش السوري وتدني الرواتب في ظل ازمة اقتصادية خانقة.

كان من الواضح ان هجوم فصائل المعارضة على قوات النظام قد جرى بدعم تركي واوامر تركيا المباشرة، وكانت تركيا قد ساعدت بشكل كبير في اعداد قوات المعارضة للهجوم.

لكن لا بدّ من الاعتراف بأن قوات المعارضة بقيادة احمد الشرع (الجولاني) قد نجحت في اسقاط النظام وهرب الاسد دون اية مساعدة من الخارج، محققة بذلك كل اهداف الثورة، في النهاية استولت قوات المعارضة على جميع المدن التي ساهمت في تحريرها القوات  الروسية والايرانية بعد معركة طويلة ومريرة واستعادتها قوات المعارضة بسرعة، غير متوقعة. وسيترك هذا الانجاز مفاعيله على كل الازمات التي تواجهها الدول العربية.

نجحت فصائل المعارضة السورية في رهانها على ضعف الجيش السوري، وعلى عدم توفر الارادة للقتال لانقاذ النظام كما صحت توقعاتها بسقوط كل الدعم الروسي والايراني للنظام او المشاركة في الدفاع عن المدن الرئيسية التي أُسقطت تباعاً. في نفس الوقت نجحت القوات الديمقراطية الكردية، والمجلس العسكري للعشائر العربية في اقناع    قوات النظام بتسليمها جميع مواقعها في محافظة دير الزور بما فيها الممر الاستراتيجي في ابو كمال.

في رأينا وبالرغم من سرعة قلب النظام وسيطرة قوات الثورة على العاصمة فإن سوريا ما زالت تواجه حالة من عدم اليقين، وذلك نتيجة انهيار الجيش والقوى الامنية وضعف ادارات الدولة وفسادها.

ولا بد في هذا السياق من التحذير من العداء والانتهازية التي تظهرهما اسرائيل، والتي يمكن ان تؤدي الى خلق حالة من الضغط وعدم الاستقرار لافشال الحكومة الجديدة.

اهمل الغرب لسنوات طويلة دوره في دعم الاستقرار والتغيير في سوريا، ظناً منه بأن حكم الاسد متمكّن من الاستمرار في حكم سوريا. واعتقد انه قد حان الوقت للعودة والتدخل لاجل الاستقرار وتحقيق انتقال سلمي للسلطة الجديدة. اما في لبنان فلا بد من تحذير السلطات من مخاطر فلتان الوضع في سوريا مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر على امن لبنان.

ان نجاح قوات الثورة والحكومة المؤقتة المنبثقة عنها في قيادة سوريا نحو بناء دولة مستقرة وديمقراطية سيشكل دون شك، تلك البرهة المؤاتية لاستقرار لبنان واستعادة سيادته من خلال التخلص من سلاح حزب الله، وبالتالي بناء دولته الرشيدة واعادة بناء اقتصاده وازدهاره.

وهكذا يبقى السؤال الابرز: هل نحن امام البرهة المؤاتية لقيامة لبنان؟