IMLebanon

أهل السلطة مطالبون بتلقُّف رسالة الموظفين المتقاعدين قبل فوات الأوان

 

 

تداعى عددٌ كبيرٌ من العسكريين والأمنيين المتقاعدين إلى ساحة رياض الصلح صباح يوم الأربعاء الفائت الموافق فيه 22 آذار الحالي، ليُعبِّروا بالصُّورة والصوت عن هواجِسِهِم حِيالَ مَصيرِ وَطنِهِم أولاً وتَحسُّراً لما آلت إليه أحوالُ دولتهِم ثانيا، وعن مُعاناتِهم وأوجاعِهِم ثالثاً، وقبلَ كُلِّ ذلك رفضِاً لِكُل مُحاولاتِ إذلالِهِم وتجويعِهم والامتناعِ عن توفيرِ مُتطلبات الاستِشفاءِ والطَّبابةِ لهم، والتَّعامُلَ معهُم وكأنهم عالةٌ على المُجتَمعِ باعتِبارِهم أضحوا غير مُنتِجين، وشطبهم من سُلَّمِ أولويَّاتِ المَسؤولين في الدَّولة، نظراً لعجزِ الأخيرةِ عن توفيرِ الأموالِ المطلوبَةِ لأمورٍ أكثرُ إلحاحا.

يُحاولُ بعضٌ من أهلِ السُّلطةِ التَّنصُّلَ من واجِباتِ الدَّولةِ حيالَ من قضوا أعمارَهُم في الزَّودِ عن الوطنِ وحمايةِ مواطنيه وتحقيقِ الأمن والاستِقرارِ وبذلوا الغالي والنَّفيسَ حيث يعزُّ العطاء، منهم من استشهَدَ ومنهُم من أُصيبَ في الحُروب أو في معرَضِ مُنازلةِ عصاباتِ الإجرامِ المُنظَّمِ والمجرمين الخَطرين. أقلُّ ما يقالُ في موقِفِ المسؤولين في الدَّولةِ المتعامين عن حُقوقِ العَسكريين والأمنيين والمُتقاعدين منهم بالتَّحديدِ أنَّه نُكرانٌ للجَميلِ وتَضليلٌ للحقائقِ بذَرِّ الرَّمادِ في العُيون، لتَحويرِ الأنظارِ عن مَواقِعِ الخَللِ الحقيقِيَّة، واعتمادِ مُقارباتٍ خُزعبلاتِيَّةٍ غيرِ دُستورِيَّةٍ ولا قانونيَّةٍ وتحت مُسمَّيَّاتٍ مُذلَّةٍ ومُهينةٍ ومُشوِّهَةٍ لِسمعَةِ الموَظَّفين عامَّةً واسترضاءِ بعضِهم وإهمالِ البَعضِ الآخر. من ذلك فتاوى تقديم مُساعدةٍ إجتماعيَّةٍ شَهرِيَّةٍ بقيمَةِ الرَّاتبِ أو تُعادِلُ ضَعفيه، وبدلِ إنتاجِيَّةٍ ورفعِ بَدلاتِ الانتِقالِ… الخ.. كُلُّ ذلك بهدفِ استِبعادِ الموظَّفين الذين أحيلوا إلى التَّقاعُد وإهمالِ حقوقِهم، وتوسيعِ الفارِقِ ما بين رواتِبِ الموظَّفين العاملين وأولئكَ المُتقاعِدين، ونسوا أن كُلَّ ما يُصرَفُ للمَوظَّفين حتى من هم في الخدمةِ الفِعليَّةِ لا يؤمِّنُ لهم الحد الأدنى من مُتطلباتِهم المعيشيَّةِ الضَّروريَّةِ اليوميَّةِ ولا الحدِّ الأدنى من المصاريف التي تمكِّنَهم من العيشِ بكرامة، ويتغافلون عن أن المُتقاعدين لم يعودوا في أوضاعَ صحيَّةٍ أو غير صحيَّةٍ تسمحَ لهم بالعملِ لتأمين مَصاريفِ عائلاتِهِم المُلِحَّة.

يتناسى من يعنيهِم الأمرُ في السُّلطةِ أن الرَّاتبَ العادلَ للموظَّفِ هو حق جوهريٌ من الحقوقِ التي كفِلها الدُّستور، وكذلك الأمرُ بالنِّسبةِ للتَّعويضاتِ المُتمِّمةِ للراتب والحقُّ في تأمينِ تكاليفِ الطَّبابةِ والاستِشفاء، وهي من أقلِّ واجِباتِ الدَّولةِ تجاه من لم يبخلوا يوماً في القيامِ بواجِباتِهم، أما اعتِمادُ مُسميَاتِ المُساعدةِ الاجتماعيَّة بدلاً من الراتب العادِلِ أو لرَفعِ دَخلِ الموظَّفِ فهي مَذلَّةٌ لكونِها تُشعِرُ الموظَّفَ أن الدَّولةَ التي خَدَمَها وأفنى نَفسَهُ في العَملِ فيها تَركتهُ رهينةَ مِنَّةٍ أو شَفقةٍ من هذا المَسؤولِ أو ذاك، ومن الخُزعبلاتِ التي لجأوا إليها رفعُ بدلُ الانتقالِ اليومي للموظَّفين بحيث أضحى يفوقُ مَجموعُهُ الشَّهري أساس راتب الموظَّف، وهذا ينطوي على مُحاولةِ استرضاءٍ للموظَّفينَ لِحثِّهم على الحُضورِ إلى أماكنِ عملِهم في حين أن حضورَهُم واجِبٌ قانوني لا خيار؛ وأغربُ ما في تلك البِدَعِ التي اعتَمدوها مُسمَّى بَدلُ انتاجيَّة، والتي تُظهر وكأن الموَظَّفينَ مُمتنعين عن العملِ والعَطاء وإنتاجيَّتهُم تتوقَّفُ على دفعِ رشوةٍ أو تحفيز ونسوا أن إنتاجيَّةَ الموظَّفِ هي من أدنى واجباتِهِ الوظيفيَّة، كُلُّ تلك الخياراتِ هي من قبيل المُناوراتِ الإلتفافيَّةِ الغرضُ منها التَّهربُ من إيفاءِ الدَّولةِ بواجِباتِها تجاهَ الموظَّفين، وتَحميلِهم وأفرادِ عائلاتِهم وزرَ وتبعاتِ السِّياساتِ الخاطِئةِ التي انتهجتها السُّلطاتُ التَّشريعيَّةُ والتَّنفيذيَّةُ في لبنان منذُ عقود، وتخَبُّطِ أداءِ من هُم في السُّلطةِ اليوم.

مُقارباتُ من تَعاقبوا على السُّلطَةِ في لبنان لم ترقَ يوماً إلى المُقارباتِ المنطقيَّة، ولا القَراراتِ المدروسَة التي ينبغي اعتِمادُها أو تبنيها أو اتِّخاذُها في مثلِ هذه الظُّروفِ الحَرِجَةِ التي يمُرُّ فيها الوَطن. إنها مناوراتٌ احتياليَّةٌ أقربُ إلى لُعبةِ الثلاثِ أوراق أو الكشاتبين واللتين جُلَّ ما يبغى اللَّاعبونَ منها ومن يَقِفُ خلفَها سَرِقَةَ أموالِ الضَّحايا بتَضليلِهم وإعمائهِم عن حَقيقَةِ ما يجري بمناوراتٍ تضليليَّةٍ إلهائيَّة، وخَيرُ مِثالٍ على ذلكَ لِعبَةُ صَيرَفَةِ التي لا يمكِنُ لأي خبيرٍ اقتصادي أو مالي أو أي شخصٍ عاقلٍ أن يجِدَ تبريراً منطقيَّاً لها؛ بل الغالبيَّةُ العُظمى تُجمعُ على أنها وسيلةً لتَبذيرِ ما تَبقى من احتياطٍ نقدي من العُملاتِ الصَّعبةِ لدى مَصرِف لبنان واستنزافٌ لخزينةِ الدَّولةِ على غِرارِ ما حصلَ في دعمِ بعضِ السِّلَعِ التي دعموها لفترةٍ والتي استغلَّها بعضُ النَّافذون والجُشَّع لتهريبِ الأمولِ إلى الخارجِ وجمعِ ثرواتٍ طائلةٍ باعتمادِ فواتيرَ وهميَّة.

إن نُزولَ المُتقاعدينَ العسكريين والأمنيين وبعضٍ من المُتقاعدين المدنيين إلى ساحةِ رياض الصُّلح يوم الأربعاء الفائت لم يكن مُجرَّدَ احتجاجٍ على واقِعِهم الأليم، إنما ينطوي على رسالةٍ واضِحةٍ، باسم جَميعِ العاملين في القِطاع العام، سواء كانوا في الخدمةِ أم مِمن أُحيلوا إلى التَّقاعُد، لمن يعنيهم الأمر في السُّلطة، وبعباراتٍ ناصِحَةٍ نَصوحَة، أن الوَضعَ لم يعد يُطاق، وأن الانفجار الشَّعبي لم يعُد ببعيد، وأن السِّياساتِ التَّرقيعيَّةِ لم تعد مقبولة؛ وثمَّةَ رسالةٌ أخرى موجَّهةٌ لعامَّةِ الشَّعبَ الذي يقِفُ موقِفَ المُتفرِّجِ على كُل ما حصلَ ويحصل، والسَّاكِتُ على كُلِّ ما لحِقِ به من مآسٍ ومُعاناة، أن امتناعَهُ عن الدِّفاعِ عن حُقوقِهِ تخاذُلٌ، وأن سكوتَهُ عن خروقاتِ أهلِ السُّلطةِ المُتمادي للدستور وانتهاكِهم المستمر للقوانين، وكُل ما قاموا به من اختلاساتٍ طاولت الأموال العامَّةِ ومدَّخرات اللبنانيين وغيرهم ممن أودعوا جنى عمرهِم وتعويضاتهم الوظيفيَّةِ في المصارف اللبنانيَّة، وكذلك السُّكوتُ عن الأداءِ المُتخبِّطِ لمن يُسيرون أمورَ الدَّولةِ اليوم أضحى من قبيلِ الخيانةِ للوطن، ما هو إلاَّ إخلالٌ بواجِباتِهم المواطنيَّة، وأقربُ إلى المُساهَمَةِ في تقويضِ مُقوِّماتِ الوَطنِ، وحائلٌ دون النُّهوضِ بالدَّولةِ مجدَّداً، خاصَّةً وأننا وصلنا إلى حالةِ انهيارٍ شاملٍ على كُلِّ المستوياتِ وفي مُختلفِ المجالات، ولم يعد يفصِلُنا عن الفوضَى الشَّامِلَةِ سِوى تَفلُّتِ الأوضاعِ الأمنيَّة. نعم لم يعُد من المقبولِ السُّكوتُ عن ممارساتِ الطَّبقةِ السِّياسيَّةِ الفاسِدَةٍ المُفسِدة، والتَّسليمِ برهاناتها وتوجُّهاتِها الباليَة ومُقارباتِها العَقيمَةِ التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه ويُخشى من المزيدِ من الانهيارِ والانحِلال.

أيها الحُكَّامُ إن نزولَ المُتقاعدين إلى سَاحةِ رياض الصُّلحِ جاءَ بقصدِ مُكاشفتِكم بارتِكاباتِكم وفشلِ أدائكُم وعدمِ جدوى مُقارباتِكُم التي تعتمدونها لتسييرِ شؤونِ الدَّولة، جاءَ الموظَّفون المُتقاعِدونَ الذين تتجرأون على التَّطاولِ على حقوقِهم ومُكتسباتِهم المشروعَةِ ليُبيِّنوا لكم أمامَ العامَّةِ وعلى الأشهادِ من هُم ومن أنتم، ماذا قدَّموا للوطنِ والمواطِن وماذا أنتم فعلتُم وما أخذتُم وما أفسَدتُم، وأنهم أجدرُ بالتَّكريم من التَّغافلِ والتَّهميش.

الموظَّفون عامَّةً والعسكريون والأمنيون على وجهِ التَّحديد، هم وحدَهُم من أثبتت الأيامُ والملمَّاتُ أن مَعاييرَ الانتِماءِ للوَطن مُتجسِّدةً فيهم وتحكُمُ سُلوكيَّاتَهم ومواقِفَهم المسؤولة، أما أنتم، فانتماءاتُكُم مُتعدِّدةٍ بتَعدُّدِ الجِنسيَّاتِ التي تَحمِلونَها والطَّوائفِ والمذاهِبِ التي تنتمون إليها وليس للوطن.

الموظَّفون عامَّةً والعسكريون والأمنيون على وجهِ التَّحديد هم في صدارةِ من يُخلِصُ الولاءَ للوطن، أما أنَّتُم فولاؤكُم متذبذِبٌ ما بين انتماءاتكُم السِّياسيَّةِ الخارجيَّةِ والفئويَّة داخِلِيَّا (طَّائفيَّةِ ومذهبيَّة).

الموظَّفون عامَّةً والعسكريون والأمنيون على وجهِ التَّحديد بذلوا ويبذلون التَّضحياتِ الجِسام في الدِّفاعِ عن الوطن، أما أنتم فتُضحونَ بالوطنِ والمواطنين من أجلِ تكريسِ مَرجعيَّاتِكم وتوريثِ المناصِبِ لأبنائكم، وملءِ جيوبِكم وخزاناتكُم ولو بأموالِ الشَّعب وعرقِ جبينِه.

الموظَّفون عامَّةً والعسكريون والأمنيون على وجهِ التَّحديد هم من سَهِروا الليالي وحُرموا طعمَ الراحةِ وقضاءِ الأعيادِ والعُطلِ الرَّسميةِ إلى جانب عيالِهم، وقضوا زهرةَ عُمرهِم مُنشغلينَ بتوفيرِ الأمنِ والأمانِ لكم، منشغلينَ بمهامهم وتطويرِ أدائهم ومواجهةِ التَّحديات، سواء كانوا على جبهاتِ القتالِ أو مرابطين في الأوديةِ والجِبال أو في معرضِ مطاردةِ المطلوبين أو منتشرينَ على الطُّرقاتِ والسَّاحاتِ العامَّةِ والأماكنِ السِّياحيَّة… الخ، أما أنتم فحَرَمتُم الشَّعبَ الشُّعورَ بالرَّاحة والاستقرار وراحةِ البال بتقويضِكم لمقوِّماتِ الدَّولة، وبإفسادِكُم لنِظامها السِّياسي، وبسطوَتِكُم على الأملاكِ العامَّة، ونهبِكُم للمالِ العام، وتبذيرِكُم لأموالِ المودعين؛ وتحويلِ الدَّولةِ من دولةٍ مزدهرةٍ إلى دولةٍ مُفلِسَةِ في طَورِ الإحتِضار.

الموظَّفون عامَّة، إلاَّ ندرةً فاسِدةً ممن أفسدتُم وزرعتُم خارجَ الأصول في الدَّولة، هم من حَفظوا الأمانةَ وبنوا الدَّولةَ وصانوا مَصالِحها، أما أنتم فنهبتم مُمتلكاتِها وخذلتُم الشَعبَ وقدَّمتُم مصالِحكُم على المصلَحَةِ العامَّة.

الموظَّفون هم من بنى إداراتِ الدَّولةِ ومؤسَّساتِها الرَّسميَّةِ وهيئاتها ومجالِسها وأجهزتها وحافظَوا على ديمومتها، وفعَّلوا أداءها ورفعوا مُستوى جودةِ الخَدماتِ التي توفِّرُها للمُواطنين وفق الإمكانيَّاتِ المُتواضِعةِ المُتاحة، أما أنتم فشَلَّيتُم المؤسَّساتِ الدُّستوريَّةِ وعَطَّلتموها بمُماحكاتِكُم السِّياسيَّةِ نِكايةً بالخصومِ طوراً، وخِدمَةً لمآرِبِكُم الفِئويَّة ودوافِعِكم الوصوليَّة طوراً آخر.

الموظَّفون دأبوا على التَّقيُّدِ بروحيَّةِ النًّصوصِ الدُّستوريَّةِ وتَطبيقِ القوانين والتَّحلي بآدابِ الوَظيفَةِ العامَّةِ، أما أنتم فكانَ دأبكُم خَرقَ الدُّستور وانتهاكَ القوانين النافِذَةِ والخروجِ عن القِيَمِ والأصول خِدمَةً لمصالِحِكُم الشَّخصِيَّة وللمُقرَّبين منكُم والمتزلفين والوصوليين على حِسابِ ذوي الكفاءة والنَّزاهَةِ والعِفَّة.

الموظَّفون عملوا من وحي القِيمِ الدِّينيَّةِ وتحلّوا بروحيَّتِها السَّمِحة، أما أنتم فتاجرتُم بالأديان، واعتمدتموها وسيلةً لتحقيقِ المناصِبِ والمكاسب، بتلطَّيكم خلف لواءَ الطَّائفيَّةِ وتَستَّركُم برداءِ المذهبِيَّة.

الموظَّفون الكفؤون هُم من دَخلوا إلى الوظيفَةِ بكفاءاتِهم ومؤهلاتِهم العِلميَّةِ أما أنتم فقابضونَ على السُّلطةِ ومُغتصبوها من خلالِ تَفصيلِكُم للقوانين على قياساتِكم وتوارثكم للمناصِبِ السِّياسيَّةِ، ويكفيكُم مذلَّةً وعاراً أنكُم غير مُرضيٍّ عنكم شعبيَّاً ولا عن أدائكم، ولا عن مقارباتِكم لهموم المواطنين ولا في معالجةِ الأزماتِ التي تسبَّبتُم بها.

الموظَّفون العموميون هم حاجةً مُلِحةً لتَسييرِ شؤون الدَّولةِ، وتغذيَةِ ماليَّتِها العامَّةِ وتأمينِ الخدماتِ العامَّةِ المطلوبةِ للمواطنين، أما أنتم فعبءٌ على الوطن كما على الشَّعبِ الذي ضاقَ ذرعاً بارتكاباتِكم الجُرميَّةِ وتَغطرسِكم وإهمالِكم وجَهلِكم لكيفيَّةِ تسييرِ شؤون الدَّولةِ وتقصيرِكم في حِمايةِ مَصالِحِها، وإفسادِكُم للإداراتِ العامَّةِ بإقحامِكُم جَيوشاً من المُتعاملين والمياومين من المؤهلين للعملِ في القطاع العام بعيداً عن الأصول المقرَّرةِ قانونا.

الموظَّفون المخلصونَ الشُّرفاء المَضحون في سبيلِ الوطن، والمتقاعدون منهم، هم أجدى بالتَّكريم لا التَّهميش، وهم أولى بالعِنايةِ الاجتماعيَّةِ والرِّعايةِ الصُّحيَّة، وإن أيَّةَ مَهانةِ يَتَعرَّضونَ لها نتيجةَ تَهاوي القيمَةِ الشِّرائيَّةِ لرواتِبِهم، وقصورِهم عن تأمين المُتطلباتِ المعيشيَّةِ اليوميَّةِ لأفرادِ اسرِهم هي نُكرانٌ للجميلِ وجريمةٌ في حقِّ الوطن.

أيها الحُكَّام المتشبثون بكراسي السُّلطة، والمتوارثون للمناصِب، والمتُحاصِصون للمَكاسِب، أنتم من تسبَّبتم بانهيار الدَّولةِ وبكُلِّ الأزماتِ التي نَشهَدُها اليوم، أنتم المسؤولون عما يُعانيهِ الشَّعبِ اللبناني من إحباطٍ وتَعاسَةٍ بسبَب حالةِ الفَقر والعَوَز، أنتُم من شرَّدَ أبناءَه، وشتَّت عائلاتِه، أما الموظَّفونَ وخاصَّةً الشُّرفاء منهُم هم من بنوا الوطنَ وحَموا الشَّعبَ بعَطائهِم وتفانيهِم وتضحياتِهم.

إن الموظَّفين ليسوا بمَشكلة، والمُتقاعِدين ليسوا بعبء على الدَّولة، والحُلولُ بسيطةٌ ومُتيسِّرة، باعتمادِ مبدأ موحَّدٍ وعادل ودائم، يقومُ على احتسابِ رواتِبِ القِطاع العام وفقَ نسبةٍ مئويَّةٍ وثابَةٍ مِما كانت عليه رواتِبِهم بالنِّسبةِ للدولار قبل انفجارِ الأزمَةِ وانهيارِ قيمَةِ العِملَةِ الوَطَنِيَّة (75%، 50% ، 30%…)، ومن ثمَّ صرفُ ما يُعادِلُها لكُلٍّ منهم بالعِملةِ الوطنيَّة في مطلعِ كُلِّ شهر. لأنه من غير العدلِ بل قِمَّةُ الظُّلمِ أن يتحمَّلَ الموظَّفون عامَّة، والمُتقاعدين بخاصَّةٍ وحدَهُم وِزرَ الأزمَةِ الماليَّةِ وانهيارِ قيمَةِ العِملَةِ الوَطَنِيَّة. وعسى أن يتلقَّفَ من هُم في السُّلطَةِ هذه الإشارةَ ويُظهروا أنهم أهلٌ للسُّلطةِ لا عبء عليها وعلى الشَّعب.