تبدّل المشهد الميداني الجنوبي في الأيام القليلة الماضية، بعد تصاعد الإعتداءات والغارات وقصف العدو الإسرائيلي، بالتوازي مع التهديدات والمواقف التصعيدية ضد لبنان، من خلال التلويح بالإستعداد لعدوان وشيك ومتفلّتٍ من أية ضوابط وقيود. ووفق قراءة المحلِّل العسكري اللواء المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي، فإن هذه التهديدات لا تعني بالضرورة أن “مرحلةً جديدة من المواجهات قد بدأت، أو أن رقعة المواجهات سوف تتوسّع”، موضحاً أن “حزب الله استهدف قاعدة عسكرية للعدو في إطار الرد على الغارات والإغتيالات والإعتداءات الأخيرة على القرى الجنوبية، بحيث أن ما من اعتداء يبقى من دون ردّ، ولكن هذا الرد مضبوط دائماً”.
وقال اللواء شحيتلي، الذي ترأس الوفد السابق لمفاوضات الترسيم البحري، لـ “الديار”: إن “لبنان يقف اليوم أمام مرحلة جديدة، ولكن ليست مرحلة عسكرية بل ديبلوماسية وتفاوضية، حيث أن الضغط الميداني لا يتمّ على المستوى العسكري، بل على المستوى الديبلوماسي، بمعنى أن الضغط الحاصل من خلال تكثيف الغارات والإعتداءات وعمليات الإغتيال، لا يحمل مؤشرات على توسيع رقعة الحرب، بل هو يأتي في سياق الضغط الديبلوماسي للوصول إلى حل أو تسوية، لأن “الإسرائيلي”مستعجل على التسوية بسبب الحملات الداخلية عليه وفشله في تحقيق أية أهداف في غزة”.
واشار إلى أن “الحكومة الإسرائيلية تخضع لضغطٍ داخلي شديد بعد اتهامها بأنها عاجزة عن حماية “الإسرائيليين”، فيما “الجيش الإسرائيلي” يخضع للإنتقاد لأنه يعجز عن استرجاع الأسرى، ولذلك تضغط “إسرائيل” على الولايات المتحدة الأميركية من خلال تصعيدها للإعتداءات على قرى الجنوب، أكثر ممّا تضغط علينا، بمعنى أنها تضع واشنطن أمام خيارين: إمّا أن يوسع العدو الحرب باتجاه لبنان وتكون واشنطن مضطرة لدعمه، وإمّا أن تضغط واشنطن من أجل تسريع الحلول الديبلوماسية مع لبنان”.
وعن احتمالات الحرب مع تنامي وتيرة الضغط، يقول إن “إسرائيل تدرك أن كلفة الحرب ستكون أكبر عليها من الثمن الذي ستدفعه في الحلول الديبلوماسية، وعليه فإن الهدف من التصعيد العسكري والمواقف والتصريحات الإسرائيلية التصعيدية والتهديدات للبنان، هو فقط الإستعجال في المفاوضات للوصول إلى تسوية”.
في المقابل، يلفت إلى أن “الحزب يضبط المواجهة الميدانية، ويلجم الجبهة ويواجه الإعتداءات من ضمن المعطيات المتوافرة، ويعمل على لجم العدو من خلال عمليات يقوم بها من ضمن الضوابط التي وضعها، والتي تقوم على استهداف مراكز عسكرية وليس أهدافاً مدنية، بحيث أنه يردّ على المراكز والقواعد التي تقوم بإطلاق الطائرات والمسيّرات للإعتداء والقصف على قرى الجنوب”.
وحول مسار التفاوض الذي تحدث عنه، يكشف أنه “إذا راقبنا الأحداث، فإن السفير السعودي وليد البخاري قد زار رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما تستعد الخماسية للإجتماع قريباً من أجل بحث الإستحقاق الرئاسي، ما يؤشّر إلى البحث الجدي عن آلية قانونية عبر انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل حكومة، على أن يُصار بعدها إلى اطلاق عملية التفاوض حول تثبيت الحدود البرية وتطبيق القرار 1701 أو تطويره”.
وعليه، يرى أن “الضغط الخارجي يأتي هذه المرة لمصلحة لبنان، فالخارج مهتم بالإستحقاق الرئاسي، ولكن ليس من أجلنا بل من أجل إسرائيل، وللوصول إلى اتفاق حدودي، وهو ما لن يحصل مع استمرار الوضع الحالي”.
وبالتالي، يعتبر شحيتلي أن “الإستحقاق الرئاسي اللبناني قد تحوّل إلى أولوية لدى الخارج، بعدما كان الملف الرئاسي في الثلاجة في الأشهر الماضية، وذلك من أجل إيجاد الحلول لأزمة إسرائيل على الجبهة الجنوبية”، مشيراً إلى أن “ظروف الترسيم البحري تتكرّر، حيث أن الخارج ضغط في ذلك الوقت لاستعجال الترسيم، من أجل تأمين الغاز لأوروبا بعد الحرب في أوكرانيا”.