في «رياضة» المطارنة الروحية السنوية تمهيداً لانعقاد «السينودس المقدّس» مطلع الأسبوع المقبل، كانت هناك افتتاحيتان للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي: الأولى مكتوبة تتطرّق فيها إلى الروحانيات والرئاسيات، والثانية تحدث فيها بتأثر ظاهر عن زيارته الأخيرة الى دمشق.
تشدّد أوساط المجتمعين على أن البطريرك يتوقّف مطولاً عند صفتي «الراعوية والكنسية» لزيارة دمشق. تحدث عنها بالكثير من التأثر لما رآه هناك في «وجوه مستقبليه من المسيحيين الذين رحّبوا به وكأنه نقطة ماء روحية وعاطفية في صحراء ألعاب الأمم والسياسة والمصالح». تنقل تلك الأوساط عن الراعي أن «زيارته قدّمت جرعات دعم كبيرة لصمود المسيحيين في دمشق وكل سوريا. حضوره قبل أن يتكلّم معهم أعطاهم جرعة روحية ومعنوية ووجودية كانوا بأمسّ الحاجة إليها».
لكن انتقادات كبيرة سبقت الزيارة وواكبتها وتلتها، وإن لم تكن بحجم الحملة التي شنّت ضدّه في زيارته الأولى الى دمشق لدى مشاركته في تنصيب البطريرك يوحنا العاشر يازجي في شباط 2013، فهل ندم على الزيارة في ناحية ما؟ تعلّق الأوساط: «بالطبع لم يندم، بل على العكس. فالبطريرك كان يعلم إلى أين هو ذاهب وماذا سيفعل، وانطلاقاً من دوره كبطريرك يذهب إلى حد التفكير انه لو لم تكن هناك دعوة البطاركة التي تستوجب حضوره لكان وجب خلق أي مناسبة للتوجّه إلى دمشق وتفقد رعيته. البطريرك يعتبر أن من واجبه أن يذهب الى دمشق ويكون مع شعبه المسيحي، وهو يقول: إذا لم أذهب الآن لتفقد أبنائي وهم في شدة، فمتى أذهب؟».
وفي الجانب الكنسي الصرف، تشدّد الاوساط على انه «لأول مرة تتم ترجمة هذا التقارب الرائع بين الكنائس الى هذا الحد بفضل الانفتاح الذي يتمتع به البطريرك الراعي وبهذا القدر الذي هو أكبر بكثير من معظم أسلافه». هذا السينودس الجامع الذي شهدته دمشق الحزينة أعاد البطريرك الراعي الى لبنان بانطباع مفاده أنه «لا حل للازمة السورية إلا بالطرق السلمية، فالشعب يعاني الكثير ويخسر في كل شيء. وعليه، يجب وقف هذا الاستنزاف الظالم».
أما في افتتاحيته المطبوعة، فحمل البطريرك الراعي «تطلّعات أبناء أبرشياتنا، إكليروسًا وعلمانيّين، وهواجسهم وانتظاراتهم وآمالهم وأوجاعهم، وبخاصّة أبناء كنيستنا في لبنان وبلدان الشرق الأوسط، الذين يمرّون في ظروف صعبة للغاية، مع سائر المسيحيين وشعوب هذه البلدان، ويقعون ضحايا ويلات الحرب والعنف المفروضين مع ما يتسبّب به من نزوح قسري وتهجير وهجرة مرّة، تاركين جنى العمر لمَن ليس لهم تعبٌ فيه».
ثم انتقل الى «بيت القصيد» في لبنان، حيث «من الموجع أن نرى لبنان، وهو وطننا الروحي، حيث كلّ تراثنا وجذورنا وتاريخنا ومنبع رسالتنا وانتشارنا الذي كوّنّاه معاً مسيحيّين ومسلمين، آخذاً في الانحراف شيئًا فشيئًا عن هويته ورسالته، وعن خصوصيته ورسالته، كوطن العيش معًا في المساواة بين جناحَيه المسيحي والمسلم، وكنظام قائم على الحريات العامة والديموقراطية والحوار الوطني المسؤول، ومرتكز على ثلاثة لا تنفصل: الدستور والميثاق الوطني والصيغة التطبيقية، وكدولة صديقة للدول، لا امتياز فيها لأيّ منها، لا شرقًا ولا غربًا، بل تتعاون مع الجميع في إطار الجامعة العربية والأسرة الدولية، والالتزام بالشرعية الدولية، وبقضايا العدالة والسلام وإنماء الشخص البشري والمجتمعات».
ورأى الراعي أنه «بسبب مخالفة الدستور والميثاق والصيغة، نشهد هذا الانحراف الذي بلغ الإمعان، على مدى أربعة عشر شهراً، في تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، وفي ابتكار الوسائل والمواقف من أجل هذا التّعطيل، وفي ربط الانتخاب بالنزاعات السياسية المذهبية المسلّحة الدائرة في المنطقة، من دون أي اعتبار لِما يلحق المجلس النّيابي عندنا من تعطيل، والحكومة من تعثّر والتعيينات العامّة من شلل»، مشدداً على أننا «نؤمن بأهمية الصلاة والتوبة من أجل أن يمسّ الله ضمائر المسؤولين عندنا لكي يعوا جسامة ما يجري بحقّ لبنان وشعبه ومؤسّساته، وضمائر أمراء الحرب في بلدان الشّرق الأوسط، ملتمسين السّلام العادل والشّامل والدائم لسوريا والعراق واليمن وفلسطين».