IMLebanon

الانكفائية.. الحاضرة!  

لم يحسم دونالد ترامب سياساته السورية حتى اليوم، لكن واقع الأرض يدلّ على أن «الانكفاء» الأميركي الذي مارس طقوسه باراك أوباما على مدى سنوات النكبة، لا يزال قائماً قاعداً، حيّاً ويشعّ نشاطاً!

.. أو هكذا يبدو الأمر حتى الآن: في منبج، والدور الكردي المنطلق تحت ما يسمّى «قوّات سوريا الديموقراطية». وإزاء تركيا وتوجّساتها وحساباتها. وإزاء روسيا ونشاطاتها وتفرّدها بالقرار في الكبيرة والصغيرة سياسياً وتفاوضياً وميدانياً.

قصّة منبج وحدها تدلّ على روحية السياسة الانكفائية واستمرارها! كأنّ هناك فعلياً وعملياً، صحّة وصدقية لـ«التحليل» الذي يستنتج، أنّ في واشنطن «إدارتين». واحدة في البيت الأبيض عند ترامب! وأخرى في «البنتاغون» عند الجنرالات الكبار، رعاة الاقتدار الأميركي وحرّاسه، وناظمو خريطة تحركه بما يتلاءم مع الاستراتيجيات الفعلية والعميقة للولايات المتحدة!

ما قرّرته إدارة أوباما، عبر فطاحل «البنتاغون» هو أن منبج (العربية) وعنوان التمدّد الكردي إلى غرب الفرات، يجب أن تبقى في أيدي مَن «حرّرها». أي «قوّات سوريا الديموقراطية» الحاملة أجندة واضحة في شأن علاقاتها وارتباطاتها: باتجاه التنسيق وتبادل الخدمات مع سلطة الرئيس السابق بشار الأسد والقوّات والميليشيات (المذهبية) المدعومة من إيران. وفي اتجاه اعتبار الأتراك هم «العدو الوحيد».. أمّا محاربة الإرهاب الداعشي فهو في خلاصته، تأكيد لتلك الحقيقة ليس إلاّ!

ذهبت إدارة أوباما إلى البيت. لكن الموقف من منبج بَقِيَ كما هو في «البنتاغون»، برغم كل ما قاله ترامب ووَعَدَ به وكان في عمومياته وتفاصيله، مناقضاً تماماً لتوجّهات وقرارات وخيارات سلفه الديموقراطي! وذلك يعني بقاء «قوّات سورية الديموقراطية» في منبج.. ولجم الأتراك عن الذهاب إليها. وعدم الأخذ في الاعتبار موقفهم الذي يصنّف تلك الجماعة في خانة الإرهاب، ويرفض سيطرتها على أي حيّز جغرافي موصول، بما يسمح بإقامة شبه ملاذ، لكل أعداء تركيا!

ولا تدلّ الخطط والتصريحات الخاصّة بتحرير الرقّة، عاصمة «داعش» في سوريا، على أخذ المواقف التركية في الحسبان أيضاً! أي تماماً مثلما كان الحال أيام إدارة أوباما!

وفي السياسة كما في الميدان. تبقى روسيا لاعباً أساسياً في المفاوضات، أكانت في الآستانة أم في جنيف! ويبقى السؤال عن «الحضور» الأميركي اليوم، هو ذاته الذي كان بالأمس، من دون أن تظهر فعلياً وواقعياً أي مؤشّرات إلى شيء معاكِس!

المستجدّ الوحيد هو الإعلان عن النيّة لإقامة «مناطق آمنة» تسمح للنازحين بالبقاء في سوريا! لكن ذلك أيضاً، لا يزال طيّ الغيب في تفاصيله! ولا يعرف أحد حتى الآن، بمَن فيهم كبار القادة الروس، على ما أبلغ نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف بالأمس إلى الزميلة «الحياة»، شيئاً عن كيفية إقامة تلك المناطق، وأين ستقام، ومع مَن سيتم «التنسيق» في شأنها!

غير أن ما يلجم الاستطراد في التوجّس، هو أن الشيء الوحيد الواضح و«الثابت» في توجّهات وسياسات «الإدارتَين» الأميركيتَين في واشنطن هو الموقف من إيران، وخصوصاً من تمدّدها خارج حدودها، والذي تبقى سوريا أحد أهم عناوينه وأكبرها. وفي ذلك يصحّ الافتراض والظنّ، بأن الأميركيين سيلعبون الدور الروسي لكن بالمقلوب: موسكو فرضت على المعارضة السورية لعبة الفرز بين «الإرهابي» و«المعتدل» في صفوفها، لكن واشنطن ستفرض على الطرف الآخر لعبة فرز مشابهة: بين إيران وميليشياتها من جهة وبين «حلفائها» الأسديين والروس من جهة أخرى!

أي بمعنى آخر: شيء من «بابل» وأبراجها! وشيء من مستشفى مجانين! وأشياء من واقع عالم اليوم الذي سمح باستباحة دماء السوريين، وجعل منهم مطيّة لكل صاحب غرض ومرض!

.. وماذا تعني النكبة، أكثر من ذلك؟!