Site icon IMLebanon

لهذه الأسباب لا يزال المجتمع الدولي والإتحاد الأوروبي يرفضان تسهيل عودة السوريين من لبنان الى بلادهم 

 

 

لماذا لا يزال المجتمع الدولي يرفض إعادة النازحين السوريين من لبنان الى بلادهم، ولا يقوم بأي ردّة فعل تجاه خطوات ترحيلهم من كلّ من الدول الاوروبية وتركيا والأردن، رغم أنّهم يستقرّون عند حدود هاتين الأخيرتين، وليسوا منتشرين على الأراضي الداخلية؟ مع العلم أنّهما تنالان أضعاف المبالغ التي تُمنح للبنان ليس لاستضافتهم، إنّما لاستبقائهم فيه منتشرين على جميع الأراضي اللبنانية. في الوقت نفسه، بدأت قوافل إعادة النازحين السوريين في لبنان منذ أيّام، بعد توقّف دام منذ تشرين الأول المنصرم، غير أنّ هذه العودة بدت خطوة ناقصة، سيما وأنّ أعداد العائدين لم يتجاوز المئة شخص من أصل 300  أبدوا رغبتهم في العودة، وهو عدد ضئيل جدّاً نسبة الى عددهم الإجمالي الذي يبلغ مليونين و200 ألف، الأمر الذي يتطلّب العديد من السنوات لتحقيق عودة الجميع.

 

مصادر سياسية مواكبة لملف النازحين الذي نُوقش أخيراً في مجلس النوّاب، وصدر عنه “توصية” وعدت حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتطبيقها، كشفت أنّ المفوضية العليا للاجئين الفلسطينيين في لبنان تعمل على تحذير السوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية من العودة، خلافاً لما يُطالبها به لبنان، لجهة دفع المساعدات المالية الشهرية لهم بعد عودتهم الى بلادهم وعدم وقفها، على ما تهدّدهم. علماً بأنّ هناك في سوريا مكتب للمفوضية، بالإمكان أن تُنسّق معه وتمنحه “داتا” النازحين التي تملكها لإعادة كلّ منهم الى منطقتهم. ويستطيع المكتب هناك تولّي مهمّة متابعة تقديم المساعدات المالية لهم ، لكي يتمكّنوا من استعادة حياتهم الطبيعية في بلدهم.

 

وإذ بدأ لبنان بتطبيق مسار “العودة الطوعية” للراغبين فعلاً بالعودة الى ديارهم، على ما أضافت المصادر، انطلقت التحذيرات من منظمات حقوقية ودولية من عمليات ترحيل قسري، مؤكّدة “أن توقف المعارك في سوريا لا يعني أن الظروف آمنة لعودتهم”. علماً بأنّ الأمن والإستقرار يسودان منذ سنوات في معظم المحافظات الموالية للسلطات السورية. ولعلّ هذا ما يُبرّر أداء بعض البلديات في المناطق، التي باتت تشهد خلافات جمّة بين السوريين المقيمين على أراضيها وبين اللبنانيين، بسبب المزاحمة على الماء والكهرباء والغذاء والمهن الحرّة وفتح الدكاكين. وقد قام عدد منها بعد تحرّك حكومة تصريف الاعمال ووزارة الداخلية والبلديات، التي تحدّثت عن تطبيق القوانين الدولية والمحلية، بتنبيه النازحين السوريين وإعطائهم مهلة لإخلاء المخيمات سيما وأنّها تحوي أسلحة، على غرار ما جرى في بلدة ددّة أخيراً، في انتظار تحرّك قوى الأمن والبلدية لتنفيذ الإخلاء يوم الثلاثاء المقبل.

 

وأشارت المصادر نفسها أنّ بعض البلديات، إستناداً الى ما يمنحها الدستور من صلاحيات، قد طالبت من المواطنين اللبنانيين رفض تشغيل أو إيواء أو تأمين السكن للسوريين المقيمين فيها بطريقة غير شرعية، أي من دون إقامات، تحت طائلة تنظيم محاضر ضبط إدارية وقانونية بحقّ المخالفين، وذلك بهدف معرفة النازح الشرعي من غير الشرعي، على أن تتخذ إجراءات أخرى لاحقاً مثل إقفال المحلات التجارية غير القانونية التي يملكها النازحون السوريون، وعدم السماح بالتالي للسوريين المسجّلين لدى مفوضية اللاجئين، ويستفيدون من كلّ ما تقدّمه لهم من مساعدات مالية وحماية من أجل البقاء حيث هم، بممارسة أي عمل مأجور أو مهنة من خارج قطاعات العمل التي ينصّ عليها القانون، والمحصورة بالزراعة والبناء والنظافة.

 

وفنّدت المصادر المطلعة الأسباب الكامنة وراء رفض المجتمع الدولي والإتحاد الأوروبي لمساعدة لبنان على تسهيل مسألة إعادة السوريين منه الى بلادهم، خلال السنوات المقبلة، وهي:

 

1- قرار حصار لبنان إقتصادياً ومالياً الذي بدأ منذ العام 2019، وفرض”قانون قيصر” على سوريا، لم ولن يتغيّرا ما لم تحصل تسوية إقليمية تُرضي جميع الأطراف أو الدول المعنية بها.

 

2- توجّه النازحين السوريين من لبنان الى القارة الأوروبية بطرق غير شرعية عن طريق البحر، ترغم الدول الأوروبية على استقبالهم كونهم طالبي لجوء، وهي دول لجوء. وتُكلّفها هذه الخطوة في حال إقامتهم على أراضيها، ثلاثة أضعاف ما تمنحه للبنان لإبقائهم فيه. فهي تمنح لبنان 250 ألف يورو سنوياً ، في حين أنّ كلفة استقبال مليوني طالب لجوء سوري على أراضيها، ستكون كلفته مضاعفة تصل الى أكثر من مليار يورو سنوياً. وهذا ما يُفسّر قبولها بإعطاء تركيا على سبيل المثال مليار يورو في السنة لاستضافتها مليوني سوري، ليس على أراضيها، إنّما في خيم عند الحدود السورية- التركية. كذلك تعطي الأردن مبالغ كبيرة لاستضافتها 600 ألف نازح سوري فقط، قامت السلطات الأردنية بترحيل عدد كبير منهم الى بلادهم.

 

3- يريد المجتمع الدولي مساومة لبنان على إنهاء ملف النزوح خلال مفاوضات التسوية المرتقبة، مقابل تقديمات تتعلّق بالإتفاق المستقبلي لترسيم الحدود البريّة مع “إسرائيل”، أي لضمان أمن المستوطنات الشمالية، وإعادة نحو 100 ألف مستوطن الى منازلهم فيها. فضلاً عن استفادة الدول المعنية من قطاع النفط والغاز في البلوكات اللبنانية البحرية.

 

4- إنّ الهجرة غير الشرعية الى الدول الأوروبية، ليس فقط من سوريا إنّما من دول عدّة أخرى، تُشكّل مشكلة كبيرة لدول الإتحاد الأوروبي، لما أظهرته الأرقام لدى كلّ منها من تداعيات إقتصادية وديموغرافية وأمنية وسياسية عليها، فضلاً عن الخشية من تنامي الإرهاب في أوروبا نظراً لارتباط الأحداث الإرهابية فيها بهذه الهجرة.

 

5- إستثمار المجتمع الدولي والإتحاد الأوروبي هؤلاء النازحين في دول الجوار، لا سيما في لبنان، لفرض حلّ شامل للأزمة السورية يشمل تمويل إعادة إعمارها.

 

وكلّ هذا يعني، بحسب المصادر، أنّه إذا سهّل المجتمع الدولي عودة النازحين السوريين من لبنان الى بلادهم قبل تحقيق ما يريده، يكون قد خسر ورقة رابحة بيده لن يرميها على الطاولة قبل المفاوضات الجديّة لإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط، ولهذا فهو لن يفعل حالياً. ويبدو أنّ إبقاء السوريين في لبنان، عبر دمجهم أو توطينهم فيه، هو أسهل الحلول حالياً بالنسبة له، لكنّها لا تُرضي لبنان الذي يرفض حلّ مشكلة النازحين السوريين على حسابه وحساب شعبه.