ليس الجنرال ميشال عون، وحده، من يعود الى قصر بعبدا اليوم، إنما تعود معه «سلّة» من القيم، والضرورات والموجبات كنّا قد إفتقدناها طويلاً.
ولعلّ أهم العائدين اليوم هو لبنان… إننا ندشّن مرحلة (وطبعاً عهداً) يمكن إختصارهما بالشعار الآتي: «عودة لبنان الى لبنان».
لبنان الذي إفتقدناه طويلاً يعود اليوم مع هذا الرئيس الآتي من نبض الناس. الرئيس – الظاهرة الذي قلّ نظيره في العالم كلّه وليس في لبنان وحده، إذ هي المفارقة الكبيرة أن يغادر ميشال عون القصر الرئاسي بقوة الصاروخ والدبابة والطائرة الحربية والتواطؤ الدولي والإقليمي بعد المحلي، وأن يُنفى 15 سنة، ثم يعود بعد 26 سنة من الباب الكبير: باب الديموقراطية، باب الإقتراع في الصندوقة التي أبت أن تنساق الى ثقيلي الدم، والسخفاء، فأصرّت على أن تحتضن الأصوات التي أوصلت (الرئيس) الرجل العنيد، الى سدة الرئاسة بعد الفراغ الكبير والطويل.
أمس، وكما نشرت «الشرق» بالخط العريض في «المانشيت» الرئيس في صدر الصفحة الأولى، فقد «استعاد لبنان رأسه»… ونريد لهذه الإستعادة ألاّ تقتصر على الشكل وحسب، بل أيضاً على ما يعنيه الرأس من فكر ومتفرعاته: الحكمة والقرار والتصميم والتنفيذ. وهذه كلها من صفات هذا الرئيس الإستثنائي.
لقد عاد لبنان، فعلاً الى لبنان.
عادت الديموقراطية في أبهى صورها. وعادت الهيبة مع هذا الرجل المهاب، وأزيح الفراغ فاستقبل الكرسي الرئاسي شاغله، وعلى أمل أن تُستكمل العودة بسيادة تامة للقانون.
ورائعاً كان المشهد أمس في مجلس النواب… ليس فقط في الحشد الديبلوماسي الكبير الذي حضر الجلسة، وأصرّ الكثيرون من أعضائه، وهم يهنئون الرئيس عون، على توجيه دعوة مبدئية له لزيارة بلدانهم على أن يصار الى توجيهها بالطرق الرسمية المعروفة في أوقات لاحقة… نقول: المشهد كان رائعاً وبالذات بوجود رئيسين سابقين للجمهورية بين الحشد الذي لبّى دعوة رئيس المجلس لحضور الجلسة التاريخية… وهذه ميّزة مشهودة يمتاز بها لبنان خلافاً لمعظم (إن لم يكن لجميع) البلدن العربية الأخرى، حيث الحكام السابقون إمّا في السجن وإما في القبر قتلاً أو «استنحاراً»!
وعودة لبنان الى لبنان يجب أن تعني، بالضرورة، سيادة الدولة الكاملة عبر سيادة القانون، وفقاً لما تضمنه خطاب القسم الموفّق جداً من نقط ابرزها إحترام الميثاق والدستور، وتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني كاملة، والأمن الذي أول موجباته الوحدة الوطنية وقبول رأي الآخر ومعتقده، وتحصين لبنان من نار المنطقة وصراعاتها، وإحترام ميثاق الجامعة العربية، ومقاومة إسرائيل حتى تحرير ما تبقى من أرضنا المحتلة، ومواجهة الإرهاب وقائياً وردعياً وتصدياً، وعودة النزوح السوري إذ لا حل سوريا دون عودة النازحين، وحق العودة للفلسطينيين، والتنسيق الكامل بين المؤسسات والقضاء وتحريرهما من التبعية السياسية وضبط تجاوزاتهما، وتعزيز الجيش ليصبح قادراً على ردع كل الإعتداءات، الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي، والتركيز على البيئة والمجتمع المدني والتخطيط، واشتراك القطاعين العام والخاص، ومواجهة هجرة الشباب، وتحقيق اللامركزية الإدارية، والشفافية، وتفعيل أجهزة الرقابة، وإطمئنان اللبنانيين الى بعضهم البعض… خصوصاً إرساء الشراكة الحقيقية وإطلاق نهضة إقتصادية تغييرية… ولبنان القوي المرهوب لكل ابنائه: لبنان الحرية والكرامة، السيادة والإستقلال، الإستقرار والإزدهار، الميثاق والسيادة.
فخامة الرئيس: تحقيق قسم من هذه النقط المركزية سيشكل الجزء الثاني من «الحلم» الذي تحقق الجزء الأول منه بوصولك.
مبارك لك وللبنان، فأنت المستحق. وفقك اللّه.