IMLebanon

عودة النازحين و”الصمت” الإنتخابي

 

تعود قضية عودة النازحين السوريين في لبنان، إلى الواجهة مع انعقاد مؤتمر بروكسل السنوي في مقر الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين، من زاوية إصرار لبنان على أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية عودتهم إلى بلادهم.

 

خضع هذا العنوان للتجاذب الداخلي منذ تدهور الوضع الأمني في بلاد الشام وقمع النظام وأجهزته العسكرية والأمنية احتجاجات الشعب السوري السلمية عند بدء الثورة السورية بوحشية، ثم مع تحول الثورة إلى حرب أهلية دمرت سوريا وأزالت قرى وبلدات عن الخريطة، وما سببه ذلك من نزوح وهجرة إلى لبنان والأردن وتركيا، وأوروبا وإلى أصقاع الأرض البعيدة. ولم يتمكن الفرقاء اللبنانيون جراء انقسامهم حول الموقف من الثورة السورية من توحيد موقفهم من طريقة التعاطي مع التطورات الدراماتيكية التي حلت بسوريا. والخلاف تناول أبسط الأمور منذ 2011 و2012: هل تقام للنازحين مخيمات على الحدود على أراضٍ مملوكة للدولة أو يمكن استئجارها (اقتراح وزير الداخلية الأسبق مروان شربل) على أن تتولى الأمم المتحدة التكاليف، أم يتركون حيث انتشروا في القرى والبلدات التي استقبلتهم، أو في المخيمات العشوائية التي لا تحصى على أمل قرب عودتهم؟

 

إستحال التوافق اللبناني مثل استحالة اتفاق مختلف الأطياف على دور لبنان وعلى صيغة الحكم فيه وعلى سياسته الداخلية والخارجية، وانتمائه إلى هذا المحور أو ذاك. الخلاف على التعاطي مع أزمة النزوح السوري كان وما زال، واحداً من عناوين الخلافات المتراكمة والمتوالدة التي تحكمت فيها الحسابات الطائفية والمناطقية والإقليمية لكل فريق. ولم يجمع الفرقاء المختلفون في شأنها إلا على المبادرة الروسية في العام 2018، التي أجهضها عدم استعداد الدول الغربية لتمويل هذه العودة نظراً إلى الحاجة إلى إعادة إعمار المناطق التي يفترض إعادة النازحين إليها، لأسباب تتعلق برفض النظام الحل السياسي، وبالتالي عدم تأمين شروط المجتمع الدولي بأن تكون العودة آمنة، كي لا يتعرض العائدون للسجن أو القمع أو القتل… وفي المقابل كان لبنان يحصل على جزء من المبالغ التي يتم إقرارها لمساعدة النازحين والمجتمعات المضيفة في مؤتمر بروكسل، وليس كلها. وينعقد المؤتمر هذه السنة في ظل تراجع فرص الحصول على المساعدات المطلوبة نظراً إلى الإنفاق الهائل للدول الأوروبية وأميركا وغيرها الذي ترتب على الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى انعكاساته السلبية على الاقتصاد العالمي بدءاً بارتفاع أسعار الطاقة والتضخم المرشح للتزايد. أي أن لبنان الذي يطرح في كل سنة في بروكسل رقماً للمساعدات المطلوبة ويحصل على جزء منه، سيعاني هذه السنة أيضاً من شح المساعدة المالية للنازحين على رغم أن المبالغ التي يتم تحويلها إلى حساب مفوضية اللاجئين في لبنان بالدولار الأميركي، والتي يحولها مصرف لبنان إلى الليرة اللبنانية لدفعها للاجئين، استفاد منها الأخير، نسبياً، في ضخ العملة الصعبة في السوق لخفض سعر الصرف على منصة صيرفة عما هو عليه في السوق السوداء.

 

من المؤكد أن تعليمات الرئيس ميشال عون إلى الوفد الوزاري الذي سيشارك في مؤتمر بروكسل تتمثل في إبلاغ المجتمع الدولي أن لبنان لم يعد قادراً على احتمال وجود النازحين السوريين وإعادتهم إلى بلدهم يفتقد إلى أدوات التنفيذ. فترحيل هؤلاء قسراً سيقابل بموقف سلبي يزيد من صعوبات لبنان الاقتصادية. واعتماد الصيغة التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطته لإعادة مليون نازح من تركيا إلى المناطق التي يتواجد فيها الجيش التركي في شمال غرب سوريا، بعد بناء منازل لهم وتسليمهم مفاتيحها مستحيل لغياب التمويل الذي استطاعت أنقرة تأمينه، كلاعب يتعزز دوره الإقليمي، في سوريا وفي المنطقة لا سيما بعد الحرب في أوكرانيا والمصالحة مع السعودية والتقارب مع مصر. بل إن السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف يمكن للبنان أن يحصل على المزيد من المساعدات لإعادة النازحين، والسلطة الحاكمة فيه عاجزة عن تأمين المساعدات لاقتصادها المنهار، جراء الخلافات حول الإصلاحات المطلوبة والمتطلبات السياسية المتعلقة بالحدود والحد الأدنى من السيادة على أرضها وفي قرارها، من أجل تدفق بعض المال من صندوق النقد الدولي والدول المانحة لتحريك اقتصاد البلد والاستثمارات فيه.

 

يخشى أن يكون رفع الصوت من أجل إعادة النازحين إلى سوريا كمطلب طبيعي، قد طرح في الأيام الماضية في سياق الحملات الانتخابية لا أكثر، ومحاولة من الفريق الرئاسي لاستلحاق ما فاته وتعويض ما خسره لتوظيف الأمر انتخابياً، كما يشك بعض معارضيه، أو أن يطمح إلى تحقيق إنجاز موعود قبل نهاية العهد. فالفكرة تأتي في زمن الصمت الانتخابي والأزمة تجعل الأمر ملتبساً عما إذا كان هذا الصمت يشملها.