في الحرب «الاسرائيلية» على لبنان صيف 2006، وبعد 33 يوماً لم يحقق العدو الاسرائيلي اهدافه، صدر القرار 1701 عن مجلس الامن الدولي بوقف الاعمال العسكرية، وبدء سريانه في 14 آب من العام نفسه، واصدر كل من الرئيس نبيه بري والامين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصرالله بياناً مشتركاً، دعا فيه كل الخارجين من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت العودة الى مدنهم وقراهم ومنازلهم ومؤسساتهم، ولو كانت مدمّرة او متضررة، ونصب خيم حتى يبدأ الاعمار، وهذا ما حصل، فعاد الاهالي الى الاماكن التي غادروها بفعل الحرب، وكان القصد من ذلك الا يشكل النزوح هدفاً للعدو الاسرائيلي، بانه تمكن من افراغ الجنوب واماكن اخرى من السكان، ونزع عن المقاومة الحاضنة الشعبية لها، وخلق شرخاً بينها وبين بيئتها، التي لم تنفذ ما اراده العدو، وردد الاهالي العائدون عبارات «فدا المقاومة»، وزاد تمسكهم بخيار مقولة الردع والدفاع عن السيادة.
وفشل العدو الصهيوني في استغلال ازمة النزوح في حربه على لبنان صيف 2006، فكانت العودة السريعة والفورية، وكان هدفه تحميل لبنان عبء النازحين الذين لجأوا الى المدارس او المباني الفارغة، وخلق توتر داخلي بينهم، ثم اغراق حزب الله بملف النازحين، واعتباره خسر الحرب، التي لم يوفر العدو الاسرائيلي من استخدام كل «بنك اهدافه» العدوانية، فدمر في صيف 2006 الجسور والطرقات والبنى التحتية وبلدات في الجنوب واحياء في الضاحية الجنوبية، وزاد على اهدافه هذه المرة البقاع من غربه الى وسطه وشماله وشرقه، فلم يقع حزب الله في الفخ «الاسرائيلي» في الحرب السابقة ولن يقع في الحالية، فسارع الى استيعاب النازحين العائدين صيف 2006، وباشرت مؤسسة «جهاد البناء» الاعمار، في ظل دعم عربي قدمته قطر والسعودية ودول عربية وايران واخرى اوروبية.
والحرب الحالية التي وسّعها العدو الاسرائيلي منذ نحو شهر، فان من اهدافه فيها هو عدم عودة النازحين الى الجنوب، واقله الى مسافة ومساحة يحددها العدو الاسرائيلي، وهذا ما ابلغه وزير الدفاع «الاسرائيلي» يواف غالانت الى وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكين في زيارته الاخيرة قبل ايام الى الكيان الصهيوني، بانه لا عودة للنازحين الى الجنوب نحو مدنهم وقراهم، على مسافة اقلها 5 كلم، خشية من ان يعودوا ويشكلون بيئة حاضنة للمقاومة، التي شكلت القرى الامامية عند الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، خط الدفاع الاول عن الجنوب خصوصاً ولبنان عموماً، وان من تصدوا لجيش الاحتلال «الاسرائيلي»، هم من سكان هذه القرى، بدءاً من عيتا الشعب الى يارون وبليدا وحولا وكفركلا والعديسة ومارون الراس وبنت جبيل وميس الجبل والخيام الخ…
من هنا، فان العدو الاسرائيلي يحاول ان يستغل موضوع النازحين بمنع عودتهم، وهذا ما يمارسه في غزة، ويسعى ايضاً الى ان يشكل ملف النزوح ازمة داخلية في لبنان، وهناك اطراف داخلية لبنانية ستلاقيه في ذلك، وفق قراءة مصدر سياسي يخشى من ان يكون موضوع النازحين «قنبلة موقوتة» تنفجر في الداخل اللبناني، لاسباب عدة طائفية ومذهبية وديموغرافية وسياسية.
وحذر سياسيون من هذا الوضع، بالرغم من وجود تضامن وطني مع قضية النازحين، والتفاف انساني حولهم، حيث لم يسجل اي اشكال في اي مركز ايواء او مناطق لجأ اليها النازحون، ولعب قياديون دوراً بارزاً في استقبال القادمين قسراً من المناطق التي يمارس العدو الاسرائيلي معها حرب التدمير والابادة الجماعية، فبرز موقف وطني لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط والحالي نجله تيمور، والمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز برئاسة شيخ العقل سامي ابي المنى، والمرجعيات الدينية التي اجتمعت في بكركي، واصدرت بياناً وطنياً يحتضن النازحين الذين لم يلاقوا رفضاً لوجودهم على ارضهم اللبنانية، يقول المصدر الذي لفت الى انكسار الحاجز السياسي امام قضية النازحين، الذي يوجد خلاف داخلي بين القوى السياسية حول الحرب والسلاح بيد الدولة ومساندة غزة الخ…
وحزب الله الذي وجه الشكر الى كل اللبنانيين دون تمييز حول احتضانهم للنازحين، فانه يعي ما يحضّر من مشروع ـ فتنة يعمل له العدو الاسرائيلي، وبات يروج له مسؤولون اوروبيون واميركيون عن ان ما ينتظر لبنان، هو حرب اهلية، وهذا ما جاء على لسان وزيرة الخارجية الالمانية التي زارت لبنان قبل يومين، وقبلها وزير حرب الجيوش الفرنسية، الى ما يعلنه قادة العدو من رفض عودة النازحين، الذين يعطيهم حزب الله الاولوية، وينسق في هذا الاطار مع الحكومة والاحزاب والقوى السياسية.
ويؤكد مصدر نيابي في كتلة «الوفاء للمقاومة»، بان موضوع النازحين ممسوك بقوة من الحزب الذي شكل ادارة له، وان نواب الحزب يجولون على مراكز الايواء، ويتواصلون مع الموجودين في المنازل والشقق، وينسق مع الاحزاب والمرجعيات في المناطق، بجهود جبارة والنتائج ايجابية.