بعد المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم، تبرز لدى اوساط سياسية مطلعة تساؤلات حول ما اذا كانت ستتأثر مفاعيل مؤتمر “سدر” الذي انعقد في باريس في نيسان الماضي لدعم الاقتصاد اللبناني، بموضوع العودة. ذلك ان من بين الاسباب التي بُنيت عليها مقتضيات المؤتمرات الدولية لدعم لبنان واستقراره، هو دعم لبنان لايواء النازحين ومساندته في استقبالهم، لان ليس هناك من دولة تريد هؤلاء ان يتركوا لبنان وان يتوجهوا اليها، هذا كان احد الاسباب للمؤتمرات، مضافاً الى تلك المتصلة بالاستقرار السياسي والامني والاقتصادي ودعم لبنان لتحقيق ذلك، او الحفاظ عليه على الاقل. وهذا كله عملت مجموعة الدعم الدولية للبنان للوصول اليه باستمرار الى ان بلورت عقد مؤتمرات لدعم الاقتصاد والاستقرار ودعم لبنان في استقبال النازحين.
وتفيد مصادر ديبلوماسية، بأن عودة النازحين بصورة شاملة بحسب المبادرة الروسية لن تكون سريعة وتنتظر موسكو رد الدول الغربية على اقتراحها تمويل اعادة النازحين السوريين الى بلدهم، وتمويل اعادة الاعمار. وتلفت مصادر ديبلوماسية مطلعة، إلى ان اعادة النازحين ليست قضية سريعة والسبب يعود الى ان العودة تتطلب التمويل وإعمار المناطق ليتمكن هؤلاء من التوجه الى بلادهم.
ومن الممكن ان يعود عدد قليل من مجموع النازحين خلال فترة ستة اشهر، بحيث يقصدون المناطق التي يمكنهم العودة اليها، وهي ٧٦ منطقة. ويبلغ العدد المتوقع عودته ۳٥٠ الف نازح فقط. اما المناطق الباقية فتحتاج الى التحضيرات اللازمة للعودة، اي اعادة الاعمار. وهذا سيستغرق وقتاً اقله سنتين او ثلاث سنوات، وهو مربوط مباشرة بالتمويل الغربي والخليجي له. واﻟ۳٥٠ الفاً على مستوى ٤٥ دولة تستضيف النازحين ومنها لبنان. ما يعني ان الجزء الاكبر والاهم من النازحين لا يمكنه العودة سريعاً، في انتظار اعادة الاعمار. اذاً ليس هناك من عودة سريعة للنازحين، وان لبنان سيبقى يتحمل عبء وجودهم اقتصادياً لمدة ثلاث سنوات اخرى، وعلى المجتمع الدولي ان يستمر في دعم لبنان ومساندته. وهو الذي سيحصل، اذ لا شيء في الواقع قد تغير، ومجموعة الدعم الدولية، وكل الدول الكبرى، تضغط على المسؤولين من اجل تسهيل تشكيل الحكومة في اسرع وقت للاستفادة من مؤتمر “سيدر”، وللقيام بالاصلاحات المطلوبة في الوقت نفسه. كذلك، ان لبنان عملياً يقترض، لكن بشكل لا يدفع الا ١ في المئة فائدة، وستتم بالتزامن مساعدة لبنان بعدد من المليارات لدفع كلفة الفائدة او كلفة الدين على الاموال التي ستقدم للبنان. الدول ليست على خسارة، الا انها تعطي قروضاً على ۳٠ سنة، ويبقى على لبنان دفع الواحد في المئة. اي على ۳٠ سنة يدفع لبنان ١ في المئة فائدة، وفي هذا الوقت تكون قيمة المشاريع قد ارتفعت الى نحو ٤ في المئة.
اذاً يحقق لبنان مكسباً في مؤتمر “سيدر”، لا سيما اذا عالج موضوع الفساد، ولاجراء الاصلاحات المطلوبة. وبالتالي، ان افضل الاحتمالات لعودة النازحين سيستغرق ۳ سنوات. مع ما يكلفون لبنان اقتصادياً. ولم يرَ لبنان حتى الآن أي تبنٍّ واضح لدى الاوروبيين للمبادرة الروسية، وهم اكثر الجهات الدولية المعنية بالقلق من المشاكل التي قد يتسبب بها استمرار وجود النازحين في لبنان.
وتبنّي المبادرة، يلزمه موقف دولي صريح. وفي تقديرات اولية فان عودة كل نازحي لبنان تحتاج الى نحو ٤ مليارات دولار للاعمار والتمكن من ان يستقروا في مناطقهم. فكيف ستكون الكلفة لاعادة كل النازحين الذين يصل عددهم الى نحو ١۳ مليوناً. اي ۳ ملايين في تركيا، و۳ ملايين في لبنان والاردن، و٧ ملايين في مختلف الدول الاخرى. وللدخول في موضوع العودة فقط، يحتاج الامر الى نحو ٨٥ مليار دولار. كل ذلك يحتاج الى تمويل، وليس من طرف مستعد لذلك قبل الحل السياسي.