العلاقة مع سوريا، والنازحون السوريون، ملفّان شديدا الحساسية ينقسم حولهما اللبنانيون، ويُعتبران جمرتين مشتعلتين تحت الحكومة الجديدة، وعلى طول المشهد السياسي الداخلي وعرضه.
ملفُّ العلاقة شائك ومعقد، فخصوم سوريا، من تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي الى جانب سائر القوى التي كانت منضوية تحت عنوان «فريق 14 آذار»، يرفضون بشكل قاطع إعادة ربط العلاقة مع دمشق نتيجة التاريخ الصدامي المباشر معها، وتاريخ وصايتها على لبنان ورعايتها ما سُمّي «النظام الامني اللبناني» وارتباط هذا النظام باغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومجرّد عودة العلاقة ستبدو كمنح دمشق صكّ براءة، تعيد من خلالها إحياء تاريخ العلاقة الأسود معها.
وأما حلفاء سوريا وأصدقاوها من «حزب الله» وحركة «أمل» الى سائر مكوّنات «فريق 8 آذار»، يرفعون لواء إعادة ربط العلاقة مع دمشق من جديد، واعادتها الى مسارها الطبيعي في اسرع وقت، نظراً للتاريخ المشترك مع سوريا، ودعمها للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، وباعتبار أنّ عودة العلاقة يفرضها التاريخ والجغرافيا، وتلبّي حاجة لبنان الى الباب السوري لينفذ منه الى سائر الدول العربية، فضلاً عن أنها تشكل الوصفة الملائمة والوحيدة لتخلّص لبنان من عبء النازحين السوريّين وتعيدهم الى بلادهم.
«اللبنانيون، حيال هذه المسألة كمَن يقاتل طواحين الهواء، ويتخبّطون في عناوين اقوى منهم، فمشكلة اللبنانيين أنهم يذهبون في ملفات تعنيهم بعيداً وصولاً الى نقطة اللاعودة، بحيث يكبّرون الحجر دائماً الى حدٍّ لا يعودون فيه قادرين على حمله أو قذفه في الاتجاه الذي يريدون».
يقدم هذه الخلاصة، مسؤول كبير، يعتبر أنّ تعقيدات ملف العلاقة أقوى واكبر من أن يقدِر أيُّ طرف داخلي على التحكم بها، او تطويعها بالشكل الذي يخدم موقفه سواءٌ نحو إعادة تطبيع العلاقة مع سوريا، أو نحو استمرار القطيعة معها.
وذلك لسبب بسيط جداً، وهو أنّ ملف العلاقة ليس فقط ثنائياً بين لبنان وسوريا، بل هو ملف إقليمي ودولي، لا يستطيع لا لبنان ولا سوريا أن يؤثرا فيه أو يتجاوزا اعتباراته و«الفيتوات» الموضوعة حياله والتي تجمّد العلاقة في موقعها الحالي أي «نصف علاقة مع سوريا»، ما يعني أنّ إعادة العلاقة الطبيعية بين لبنان وسوريا تحتاج الى قرار إقليمي ودولي كبير.
وعليه، يضيف المسؤول، فإنّ النظرتين اللبنانيتين المنقسمتين جذرياً حول ملف إعادة العلاقة مع سوريا، ما هما سوى فتيل اشتباك في ما بينهما، يتم إشعاله تبعاً للظروف التي تستجدّ حيال هذا الملف.
وفي الخلاصة وأمام المناخ الانقسامي اللبناني الذي يغيّره فقط «القرار الإقليمي والدولي»، تبقى صورة العلاقة على حالها، ومَن يريد العلاقة مع سوريا ومَن لا يريدها على الإطلاق، لا يبدوان مستعدَّين، او بالاحرى قادرَين على تقدّم أيٍّ منهما ولو خطوة إيجابية واحدة تجاه الطرف الآخر. وهذا يوصل الى استنتاج أنّ أيَّ كلام يقال من هذا الجانب أو ذاك عن تغيير في العلاقة القائمة حالياً، لن تكون له أيُّ ترجمة على ارض الواقع.
ملف النازحين، بحسب المسؤول المذكور، هو الاكثر صعوبة، بالنظر الى تعقيداته وتشعّباته اللبنانية والسورية والدولية. والاخطر في هذا الملف هو أن لا موقف لبنانياً موحّداً حياله، ما خلا عنوان فارغ يؤتى به بين حين وآخر: «نحن مع عودة النازحين».
هذه العودة التي تُدرج في هذا العنوان، كما يقول المسؤول، تستبطن اللاعودة! إذ إنّ لهذه العودة ترجمتين؛ فريق يراها عودة ضرورية يجب أن تتمّ بالتنسيق بين لبنان وسوريا، وفريق آخر آخر يراها عودة ينبغي أن تكون طوعيّة وتتمّ تحت مظلة الأمم المتحدة.
وما بين هاتين النظرتين، النازحون موجودون، ويتوالدون على مدار الساعة، حتى بات عددُهم، وفق التقديرات الأخيرة، يقترب من حافة المليونين ونصف مليون نازح.
الموضوعية والواقعية في رأي المسؤول نفسه، توجبان على اللبنانيين الإقرار بعدم قدرتهم على اعادة النازحين حتى ولو ارادوا ذلك، (بمعزل عمّا إذا كانت سوريا تريد إعادتهم سواءٌ بتنسيق معها أو من دون تنسيق، أو تريد ابقاءَهم في أماكن نزوحهم)، كما أنّ على اللبنانيين أن يقرأوا الموقف الدولي من النازحين على حقيقته، وثمّة اشارة بالغة الخطورة، سبق أن وردت قبل نهاية العام الماضي الى لبنان من الفاتيكان الذي يُعتبر «كرسي الاعتراف الدولي» مفادها: «أنّ العالم لا يريد إعادة النازحين، فموضوع النازحين في لبنان يشكّل عبئاً كبيراً، والأمر المؤسف أنّ عودتهم الى بلادهم قد لا تتم، إذ ليس هناك في العالم مَن هو مستعدّ لكي يقدّم المساعدة للبنان».
وثمّة اشارة قريبة لا تقل دلالة، وتجلّت في مشروع البيان الختامي للقمة الاقتصادية العربية الذي كاد بندُ النازحين ينسفها، حينما برزت محاولة من بعض الاطراف لتضمين البيان الختامي فقرة – تمّ إحباطها – وتقول بتمويل تثبيت النازحين في أماكن نزوحهم؟
يصل المسؤول المذكور في كلامه الى الإشتباك السياسي الاخير في جلسة مجلس الوزراء حول الملف السوري بشقّي العلاقة معها والنازحين، ويقول: «الحكومة مقسومة على ذاتها في ترجمة «النأي بالنفس»، وهو بمثابة قنبلة موقوتة ستبقى قابلة الانفجار والسجال في أيّ وقت، وكذلك هي منقسمة حول موضوع العلاقة مع سوريا وحول كيفية اعادة النازحين.
ما جرى، يقول المسؤول، هو أنّ العنوان السوري جعل الجلسة الاخيرة محطة لعرض العضلات، ومحاولة استعراضية للاستثمار، أساسها الكيد السياسي المتبادل، وتحديداً على الخط المسيحي توخّياً لتدعيم شعبية صارت مهزوزة. فوزراء «القوات اللبنانية»، حاولوا أن يُسجّلوا نقطة في ملعب «الخصم اللدود»، من باب الإعتراض على خرق مبدأ النأي بالنفس، لم يساجلها وزراء «التيار الوطني الحر»، بل ما كان لافتاً هو مسارعة رئيس الجمهورية الى خلع قفازات الرئاسة والنزول شخصياً الى ساحة الكلام الكبير، وفتح صفحات الماضي مع «القوات»، بتعابير قاسية تذكّر بمنبر الرابية!
في خلاصة كلام المسؤول المذكور أنّ الملف السوري، عنصر توتير داخلي دائم، والاشتباك في مجلس الوزراء واحد من عيّناته التي يمكن أن تتكرّر في أوقات لاحقة، خصوصاً على خط «القوات» و«التيار» ربطاً بعلاقتهما الزجاجية التي تقع حالياً على خط العواصف السياسية.