IMLebanon

عودة الموازنة إنجاز ولو بلا رؤية

في البدء كان اللامعقول: أحد عشر عاما بلا موازنة سنوية، بينها أربعة أعوام بلا انتخابات نيابية، وعامان ونصف العام بلا انتخاب رئيس للجمهورية. وما تحكم بغياب الموازنات والانتخابات والشغور الرئاسي، ويتحكم حاليا بالبحث في قانون الانتخاب هو صراع المصالح. ولا يبدّل في الأمر اعطاء المصالح الفئوية والشخصية والطائفية والمذهبية طابع المصلحة الوطنية، ودمج المصالح المحلية بالمصالح الاقليمية والدولية. فالتوقعات باتت متواضعة الى حد ان مجرد تقديم مشروع موازنة للعام ٢٠١٧ بعد آخر موازنة في العام ٢٠٠٥ هو انجاز مهمّ، بصرف النظر عما في المشروع. والخيارات صارت محدودة، وسط توسّع الصراعات وحدة المواقف، الى درجة ان رئيس الجمهورية القوي العماد ميشال عون يجد نفسه مضطرا في حث المختلفين على التفاهم للقول انه في الخيار بين قانون الستين والفراغ فانه يختار الفراغ.

ذلك ان أبرز ما قاد الى غياب أهم قانون سنوي في أي بلد، أي قانون الموازنة، هو عاملان: الأول هو استحالة إقرار موازنة من دون قطع حساب الموازنة السابقة. ولم يكن ذلك ممكنا بسبب الخلاف على مبالغ كبيرة جرى انفاقها في غياب قيود واضحة والعجز عن ترتيب حلّ للمشكلة. والثاني هو إغراء الانفاق من دون موازنة، بحيث يستطيع المسؤولون الانفاق حسب الرغبات والحاجات والمصالح من دون محاسبة.

ومن الوهم في مثل هذه الحال انتظار رؤية اقتصادية ومالية واجتماعية. فالاقتصاد الريعي هو، بطبائع الأمور والمسؤولين، الخيار المفضّل. والفساد المحمي سياسيا، وبعضه بشكل قانوني، يصبح أسهل. ومن الصعب، بعد أحد عشر عاما، ان يساعدنا الوضع الذي قادت اليه اللارؤية في التوصل الى موازنة تستحق اسمها.

والواقع ان مقدمة مشروع الموازنة تحمل نوعا من الرؤية عبر عرض علمي للأوضاع الاقتصادية والمالية والسياسية في المنطقة والعالم. لكن المشروع محكوم بانجاز موازنة حسابية من دون رؤية لسياسة اقتصادية ومالية. فماذا نسمّي موازنة تأخذ الرواتب والأجور وخدمة الدين العام وتحويلات مؤسسة الكهرباء نحو ثلاثة أرباع الانفاق الاجمالي؟ كيف نصل الى نمو بنسبة ٥% حين تكون النفقات الاستثمارية في الموازنة أقل من ٣% من الناتج المحلي؟ وماذا عن زيادة الضرائب في وضع اقتصادي منكمش ودين عام فلكي.

الكل يعرف اننا منذ سنوات محكومون بسياسة نقدية من دون سياسة اقتصادية وسياسة مالية. لا بل ان السياسة النقدية الضرورية للحفاظ على الليرة ومنع الانفجار، لها أيضا أضرار وكلفة على الوضع الاقتصادي والمالي. وليس أهم من العودة الى الموازنات سوى ان تكون الموازنة الحالية محطة على طريق التطور.