الروس يلعبون ورقة التفاوض على الوجهين، من حيث يمارسون الدور الوازن في حرب سوريا. فمن جهة، يدفعون النظام والمعارضين الى معاودة محادثات جنيف التي صار عمرها خمس سنوات. ومن جهة أخرى، يأخذون وفدي النظام والفصائل المعارضة المسلحة الى محادثات استانا. محادثات جنيف تدار من خلال الأمم المتحدة وموفدها ستيفان دي ميستورا في إطار قرارات مجلس الأمن. ومحادثات استانا تدار من خلال المضيف الكازاخي وروسيا وتركيا وايران كدول ضامنة لوقف النار من دون مرجعية سوى مذكرة روسية جرى التوافق عليها في الجلسة الأخيرة.
والتركيز حالياً على خطين، وسط تشابك الخطوط والخيوط في الكواليس والمتاريس: خط الربط بين عملية استانا وعملية جنيف. وخط الفصل بين مناطق تخفيف التصعيد ومناطق التصعيد. ومنطق موسكو هو أن الطريق الى إنجاز التسوية السياسية في محادثات جنيف يمرّ في استانا وضمان النجاح لوقف النار في مناطق تخفيف التصعيد، كما في محطات محاربة داعش والنصرة وبقية التنظيمات الإرهابية في مناطق التصعيد.
لكن الطريق مملوء بالعوائق السياسية والعسكرية، المحلية والإقليمية والدولية. والرهانات مختلفة وحتى متناقضة. فالرئيس بشار الأسد يرى ان محادثات جنيف هي مجرد لقاءات اعلامية ما قادت ولن تقود الى شيء حقيقي، وان البديل منها في اطار التسوية السياسية هو ما يتم في المناطق من مصالحات. فضلا عن ان دمشق تنظر بايجابية الى نتائج محادثات استانا. أما المعارضون، فان لديهم أسئلة كثيرة حول المذكرة الروسية، مع الرفض لوضع ايران بين الدول الضامنة. والأولوية عندهم هي للبحث في الانتقال السياسي عبر التفاوض في جنيف.
والموقف من مستقبل سوريا والنظام ليس واحدا في الدول الثلاث الضامنة لوقف النار. واللاعب الأميركي الذي تدرك موسكو انه لا تسوية ولا اعادة اعمار من دون دوره، مشغول بتسليح القوات الكردية لمحاربة داعش وتحرير الرقة والذهاب الى الامساك بالحدود مع العراق، وترتيب قوات أخرى للامساك بالمنطقة الجنوبية وصولا الى الحدود مع الأردن. واذا كان الوسيط الدولي دي ميستورا لم يعد مقبولا كزائر في دمشق، فما الذي يستطيع فعله بالنسبة الى التسوية السياسية؟ وما دام المندوب السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري هو الذي يقود وفد النظام، فما الذي يتوقعه المعارضون المنقسمون الى وفود تحت عنوان المنصات؟
حتى الشكل، فانه بالغ التعبير. العجز عن الانتقال من المحادثات بالواسطة الى المفاوضات المباشرة هو أبسط اشارة الى الجدران التي تحول دون الانتقال السياسي. والترجمة العملية لتقطيع المناطق هي استبعاد الحل الشامل.