الثقة المفقودة لا تؤسس لحوار ناجح، والاستمرار في التعاطي على قاعدة «ما لنا، لنا وحدنا.. وما لكم، لنا ولكم» توصل الى أبواب موصدة، والرهان على التنازلات الدائمة من الفريق الآخر فهو رهان يصبح سرابا اذا اعتقد اي من اطراف الحوار ان بإمكانه تحويل خساراته المتنوعة داخليا وخارجيا الى مكاسب سياسية تحت شعار «درء الفتنة» او «حماية حقوق هذه الطائفة او تلك».
ينطلق مرجع رفيع من هذه الخلاصة متناولا «موجة الحوارات المطلوبة لبنانيا، شرط ان ينطلق هذا الحوار اولا واخيرا من ركيزة اساسية ومركزية هي بناء منظومة الثقة بين الافرقاء المتحاورين، او ان يعلنوا صراحة انهم في موقع التفاوض لتحصيل المكاسب لكل من فريقي الانقسام السياسي في لبنان وأن المصلحة الوطنية تأتي لاحقا».
وينقل عن سفير دولة عربية كبرى معنية مباشرة بالملف اللبناني قوله «إن لا مبادرة الى حد اليوم من دولته بشأن تسوية الملفات الداخلية اللبنانية وفي طليعتها ملف رئاسة الجمهورية، لكن هناك ارتياح للحوارات التي تحصل، لأن الحوار يعطي جوا من التهدئة ولن تصدر عنه نتائج كبيرة، بانتظار اللحظة المناسبة لكي يطرح شيء ما». ولما توجه المرجع الى السفير المذكور سائلا عن «طبيعة هذه اللحظة المناسبة»، اجاب «بأنها لحظة تقاطع اقليمي، هو تحد معين ربما هو محاربة الارهاب الذي دخل الى كل دول المنطقة، وهذا التقاطع قد يفرض تحييد لبنان عبر اتمام استحقاقاته حتى لا يكون همّا مضافا الى هم مواجهة الارهاب انما عنصرا مساعدا»، وأردف السفير قائلا «لكن الامور لا تزال في مكانها على المستوى الداخلي اللبناني ولم يحصل تطور اقليمي يدفع الى تكريس اللحظة المؤاتية فعلا ايجابيا».
ويوضح المرجع «ان التشكيك بامكانية وصول المتحاورين الى نتائج حاسمة في الملفات الاساسية يبقى قائما حتى يثبتوا العكس، وهذا التشكيك من باب التحفيز وليس على قاعدة الحرتقة، لا سيما في ما خص لقاء رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، علما اننا بالنتيجة سنذهب الى تسوية ولا مجال لغير ذلك، لا سيما ان قوى فاعلة في 14 اذار تقول صراحة انه الى اي مكان سيصل حوار عون ـ جعجع وحتى لو وصل الى تسمية عون مرشحا للرئاسة فاننا لن نقبل، وكذلك الجهات الاقليمية الداعمة لنا. وهم لا يراهنون على قدرة جعجع في اقناع عون بأن يتنحى عن الترشح وينسحب من السباق للرئاسة ويتنازل لمرشح ثالث، لأن جعجع سيتكلم بكل شيء وعون سيظل متمسكا بالترشيح مما يعني ان حوارهما سيكون اشبه بدوامة».
ويتابع المرجع «صحيح ان عون أقوى من جعجع، انما الحوار لصالح جعجع مئة في المئة، لانه في الجلسة الاولى لانتخاب رئيس للجمهورية دخلت قوى 8 اذار، وتحديدا التيار الوطني الحر، وشنوا حملة اوراق بأسماء استحضرت كل مآسي الحرب. عون دخل بقوة مع 54 ورقة بيضاء وجعجع دخل مع 48 ورقة سمته مع حملة تشويه. اذاً ظهرت القوة مع ميشال عون الذي كان يرفض لوقت ليس بعيد ان يوضع مع سمير جعجع كندين، وبمجرد جلوس عون وجعجع وبدء الحوار بينهما وبغض النظر عن النتيجة، الخاسر هو ميشال عون لانه لن يستطيع بعدها القول إن جعجع تاريخه كذا وكذا ولا يجلس معه».
يحذر المرجع من «ان يتحول الحوار المسيحي ـ المسيحي الى اشبه بتسلية طالما ان الثقة مفقودة، واذا كانت نية الطرفين اقناع بعضهما بالرئاسة، والسؤال البديهي حينها ما هو الحل؟ هل يتقاسمان الرئاسة ثلاث سنوات لعون وثلاث سنوات لجعجع، الولاية لا تقسّم. واذا كان جعجع يراهن على اقناع عون بأن يزيح عن الرئاسة فهو مخطئ سلفا، والعكس صحيح، اذاً الحل بالخيار الثالث القوي بالاجماع حول شخصه».
يكشف المرجع عن انه «منذ نحو ثلاثة اشهر كان احد اقطاب 14 اذار يتحضّر لاطلاق مبادرة خلاصتها انه طالما لم نستطع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتم التمديد للمجلس النيابي والحكومة مستمرة بتوازناتها، لماذا لا يعود القديم الى قدمه في كل شيء، ومنه الرئاسة، حتى يقضي الله امرا كان مفعولا؟ ولكن احجم القطب عن اعلانها لعدة اسباب. فهل تكون هذه المبادرة مفاجأة جعجع في حواره المرتقب مع عون؟».