عندما حرّر المشترع الطامحين والطامعين باكتساب لقب «صاحب الفخامة» من طرح برنامج انتخابي أو حتى التقدم بطلب ترشح للرئاسة، كان يدرك ان رئيس الجمهورية يستحيل عليه ضمان الوفاء بالوعد، فالمادة 17 من الدستور كما المادة 65، تنيطان السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، وأي برنامج لأي رئيس من رؤساء مؤسسات الدولة لا يمكن أن يولد إلا من رحم السلطة تلك، أي مجلس الوزراء مجتمعاً.
لذلك، يمكن القول إن البرنامج الانتخابي لمن يخوض الانتخاب الرئاسي لا يمكن أن يفسر إلا بواحد من أمرين هما: إما الجهل بأحكام الدستور، وإما الرغبة بالعودة على ما قبل التعديلات الدستورية الصادرة في 21/9/1990 (اتفاق الطائف)، أي العودة إلى زمن كان الرئيس فيه هو مَن «يُعيّن الوزراء ويسمّي منهم رئيساً ويُقيلهم)… عندها، كانت الحكومات التي لا تنفذ «برنامج» الرئيس بحرفيته تُقال فوراً، وثمة حكومات لم تستطع الحكم ومنها استمرت لأيام معدودة ومنها مَن نام رئيسها مطمئناً واستفاق على صدور مرسوم بقبول استقالتها، ولعل هذا ما يفسر متوسط عمر الحكومات قبل التعديلات الدستورية المبنية على اتفاق الطائف بما يقارب التسعة شهور، بينما أصبحت بعد تلك التعديلات تقارب عمر السنتين مما يفسح لها في المجال ولو نظرياً بإنجاز سياستها وما وعدت به في بيانها الوزاري.
ورئيس الجمهورية الذي كان يُعيّن الوزراء ويُقيلهم لم يبق كذلك، فاستبدل دوره بآخر فاعل ويتوافق مع كونه حكماً وغير مسؤول. فرئيس الحكومة تفرضه الأكثرية النيابية على أساس استشارات نيابية ملزمة، اما الاستشارات السابقة التي كان يُجريها فخامة الرئيس، فكانت صورية ولعل الدليل الأبرز أن بعض رؤساء الحكومات لم يكونوا معروفين من الأكثرية النيابية الساحقة، وعندما يصدر مرسوم تكليفهم كان النواب يشغلون ماكينتهم الإعلامية لجمع معلومات عن «صاحب الدولة» الجديد.
لهذا، فإن القول بتوافق أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية مع آخر يرشح لرئاسة الحكومة هو اتفاق مبني على الحظ، وقبل ذلك على ما تراه الأكثرية النيابية مؤهلاً لذلك.
إن هذا التحول الأساسي بالأحكام المتعلقة بالسلطة التنفيذية لم يُجهز على دور رئيس الجمهورية، كما يعتقد البعض، فالحكومات أصبحت تشكل بعد سنة 1990 «بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء». وفق المادة 53 ـ دستور، فأي حكومة لا يرشح رئيس الجمهورية وزراء من قبله يستطيع ألا يتوافق مع الرئيس الذي كلف بالتشكيل فكما انه أصبح لرئيس الحكومة دوره الأساسي في تشكيل حكومته، احتفظ رئيس الجمهورية بدوره في عملية التشكيل وبشكل أساسي أيضاً.
إن هذه المعطيات ليست إلا جزءاً مما يُطرح في «بازار» المعركة الرئاسية، ما يستدعي الوقوف عند الأجزاء الأخرى، خصوصاً أن العنترة الزمنية لإجراء الاستحقاق قد تكون اقتربت نظراً لطول فترة «خلو سدة الرئاسة» حتى اليوم فقط والأهم كي لا يأتي رئيس للبلاد يصدر حكم الشعب عليه إذا ما أنهى ولايته بأنه لم يفِ بوعوده.