لا يختلف اثنان على ان الحرائق السورية «ام القنابل» بنتائجها الكارثية الممثلة بطرفين النزوح واندثار الحوافز التاريخية فيها، والدمار الذي ضرب المدن السورية وخصوصاً حلب أنست المراقبين نكبة 1948، لا بل تعدتها بأشواط لتنسي الفلسطينيين في الشتات فلسطين و«حق العودة» بعدما طغى التعصب الديني والمذهبي على الشعور القومي، وربما هذا الامر يندرج في سلم اولويات المخطط الذي اشعل المنطقة من ادناها الى اقصاها لاعادة ترسيمها على أسس مذهبية وعرقية مع بروز تضاريس الفدراليات في العراق ومناطق الحكم الذاتي للأكراد في بلاد الرافدين وفي الشمال السوري المحاذي لتركيا انطلاقاً من بلدة عين العرب «كوباني» وصولاً الى عفرين في ادلب.
واذا كانت الحرائق السورية قد بلغت درجة الكارثة على صعيد الجغرافيا السورية، فان الكارثة الاكبر تتجسد بمخيمات النزوح السوري في لبنان بحسب اوساط متابعة لملف النزوح لما اعتراه من فوضوية ساهمت فيها بعض الاطراف اللبنانية في مرحلة انشطار البلد بين فريقي 8 و14 اذار وتناقض الطرفين في مقاربة هذا الملف الذي طالب فيه مع انطلاق الفوضى السورية «التيار الوطني الحر» بضرورة تنظيم الوجود السوري في لبنان فقامت قيامة 14 آذار ليتهم التيار البرتقالي بالعنصرية، الا انه في المرحلة الراهنة ثمة استفاقة ولو متأخرة لدى الجميع تتعلق بالنزوح السوري ومخيماته وما تشكله من خطورة على لبنان كياناً وكينونة، الا ان الخلاف بين الاطراف الداخلية يتمحور بين المطالبين بالتنسيق بين الحكومتين السورية واللبنانية لاعادة النازحين السوريين الى مناطقهم التي باتت آمنة كما حصل مع عودة عشرات العائلات النازحية من جرود عرسال الى بلدة عسال الورد، وبين الرافضين لهذا الحل على قاعدة ان النظام السوري هجّر شعبه ولا يجوز ان يمنح ورقة صك براءة بالتنسيق معه ومنحه احدى اوراق الاعتراف به، وان اعادة النازحين هي مسألة تتعلق بالامم المتحدة راعية هذا الملف بكل ابعاده.
وتضيف الاوساط ان فتح هذا الملف وفي هذا التوقيت بالذات يعود الى عدة عوامله اهمها:
– نجاح تركيا والاردن باعادة نصف مليون نازح سوري من مخيمات البلدين الى الشمال السوري عبر مفاوضات تولتها جهات خارجية مع الحكومة السورية ادت الى ذلك، ما يفتح الباب امام امكانية عودة مليون ونصف مليون سوري نزحوا الى لبنان الى بلادهم لا سيما وان معظمهم ينتمي الى مناطق باتت آمنة من القلمون السوري وصولاً الى حمص.
– تحول مخيمات النزوح الى بيئة حاضنة بمعظمها لتنظيمي «داعش» و«النصرة»، فالضربة الاستباقية التي وجهها الجيش اللبناني للارهابيين في مخيمي النور والقارية في جرود عرسال كشفت ان المخيمين تحولا الى معسكرين الاول «لـ«النصرة» والثاني لـ«داعش» حيث يتم اعداد الانتحاريين ذهنياً وعسكرياً لا سيما وان 4 انتحاريين فجروا انفسهم بالقوة المداهمة، اضافة الى مصادرة الجيش لعبوات ناسفة واسلحة وذخائر، وسبق ذلك ان مخيم النازحين السوريين في بلدة خربة داوود العكارية الذي تشغله عائلات المقاتلين الذين هربوا من سوريا بعد سقوط قلعة الحصن كان على صلة وثيقة بـ«النصرة» عبر الجندي الفار عاطف سعد الدين الذي قتل في مواجهة مع دورية عسكرية في بلدة دنكي العكارية، والمعروف انه في تلك المرحلة تعرضت اكثر من حافلة تقل عسكريين ذاهبين الى الخدمة لكمين سقط فيه شهيد من آل هاشم من بلدة القبيات.
– ثمة احصاءات ميدانية تشير الى ان اي جهة خارجية اذا ارادت الاستثمار في النزوح السوري تستطيع تجنيد ما بين 80 الف الى مئة الف مقاتل من ضمن مليون ونصف مليون سوري معظم الذكور فيهم من فئة الشباب وادوا خدمتهم الالزامية في الجيش ما يعني انهم ليسوا بحاجة الى تدريب على القتال.
– كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد الماضي الذي اشار فيه بوضوح الى مدى الاخطار التي شكلها النزوح السوري على لبنان امنياً واقتصادياً واجتماعياً، لم يأت من فراغ بل لأن الراعي بحكم علاقته بالفاتيكان ربما يملك معطيات تقول بأن عودة النازحين ممكنة في المرحلة الراهنة قبل ان تطرأ عوامل تطيل أمد اقامة النازحين فتتحول مسألة اعادتهم الى سوريا الى نسخة طبق الاصل عن «حق العودة» للفلسطينيين منذ 70 عاماً.