IMLebanon

العائدون .. من حدّ القتل

الثاني من آب العام 2014 كان لبنان على موعد مع الأسر، بعدما تمكنت يد الإرهاب من اختطاف 36 عنصراً من الجيش وقوى الأمن الداخلي في هجوم مباغت على بلدة عرسال الحدودية شنته مجموعات مسلحة بعد ساعات على توقيف الجيش عماد أحمد جمعة الملقب بـ»أبو احمد» والذي ينتمي الى احد التنظيمات، أثناء عبوره بسيارته بين «المصيدة» و»وادي حميد» على بعد 200 متر من حاجز للجيش. لتبدأ منذ ذلك الحين معاناة اللبنانيين مع رحلة أسر استمرت عاماً وخمسة أشهر.

تعاطف شعبي غير مسبوق رافق فترة الأسر مع اهالي العسكريين، والذي كان قد بدأ بعد مرور ثمانية أيام على عملية الخطف يوم تداعى الاهالي إلى قطع طريق ضهر البيدر تعبيرا عن استنكارهم لعملية الخطف بالدرجة الأولى وممارسة الضغط على الدولة لحثها على المزيد من التحرك باتجاه حلحلة القضية ودفعها الى سلوك طريق التفاوض من اجل الافراج عن اولادهم، وقد تجلّى هذا التعاطف بشكل كبير من خلال غض الطرف الذي ابداه اللبنانيون بكل أطيافهم حيال إقفال الاهالي الطرقات بين الحين والآخر واغلاق منافذ العديد من المناطق وصولاً إلى نصب خيم اعتصام في ساحة رياض الصلح والتي تحولت بدورها إلى مركز إعلامي منها تُستشف الاخبار المتعلقة بوضع المخطوفين في الجرود.

بعد أقل من شهر على عملية الاختطاف أعلن مصدر قيادي في «جبهة النصرة» الإفراج عن خمسة عسكريين هم: أحمد غيه، ابراهيم شعبان، صالح البرادعي، محمد القادري ووائل درويش وذلك كبادرة حُسن نيّة قالت «النصرة« يومها انها تأتي في سياق تأكيدها على أن معركتها ليست مع الدولة اللبنانية، وقد جاءت هذه المبادرة بعد وساطة قامت بها «هيئة العلماء المسلمين» في وقت احتفظت فيه «النصرة» بـ 18عنصراً أسيراً لديها قبل أن تعود وتعدم الجنديين علي البزال ومحمد حمية رمياً بالرصاص، فيما أعدم «داعش» العسكريين علي السيد وعباس مدلج ذبحاً.

وساطات واتفاقات سريّة وعلنية لم تفلح طيلة الفترة الماضية في الوصول إلى حل يُنهي مأساة العسكريين ويُعيدهم الى أهاليهم. لكن في المقابل كان هناك جنود وحّدهم المصير بعدما واجهوا أصعب مراحل الخوف وعايشوا الموت في يومياتهم. كانوا شهداء أحياء رافقتهم جهود مضنية تخللها العديد من الصعاب والعراقيل، لكنهم صبروا على سكّين ورصاص كانا يغتالان عيونهم مع كل طلّة صباح يتوعدانهم بالقتل كغرباء بعيدين عن عائلاتهم ويتمنون نظرة أخيرة من عيون أطفال وأبناء حملوا تقاسيم وجوههم، فكانوا يرددون أسماءهم في كل مرّة كانت تمر فيها السكاكين على رقابهم.

أمس تحقّق نصف الأمل في ساحات الصبر، فيما تبقّى النصف الآخر في الإنتظار. دموع أدمت قلوباً، بعضها ذُرف على لقاء أحبّة وبعضها الآخر على حلم لم يتحقّق، لكنها أصرّت على التسلّح بإيمانها بوطن لا ينسى أبناءه وبدولة تُصرّ على أن تُكمل مسيرة بناء مؤسّساتها ولو بـ»اللحم الحيّ»، عمادها جيش يواجه الإرهاب عند الحدود فيطل أبناؤه بجباه لم تتعوّد إلّا النصر لينتصروا لقضية وطن نزفت دماؤهم في وديانه وتلاله حتى أنبتت مكانها أقحواناً ظلّ رفيقاً دائماً للشمس والثلج ليشهد على قصص الرجال الرجال الذين لاحقوا فلول الإرهاب حتى نفدت منهم ذخائرهم، منهم من استشهد ومنهم من وقع في الأسر ثم تمت استعادته، ومنهم من ينتظر يوماً يُشبه فرحة الأمس.