دائماً ما يجد المسؤولون وسيلة لتسوية المشاكل العالقة بينهم في الأوقات التي يعتقد فيها اللبنانيون المصلوبون على خشبة هذه الخلافات انها وصلت إلى نقطة اللاعودة أو الانفصال التام. وما حصل أمس وقبله سوى الدليل الساطع على صحة هذا الأمر، حيث بادر رئيس الجمهورية إلى الاتصال برئيس مجلس النواب متذرعاً بالموقف الذي صدر عن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان حول البلوك رقم 9 في المنطقة الاقتصادية الخالصة في جنوب لبنان، وقبله بـ24 ساعة أجرى مكتب رئيس المجلس اتصالاً بعضو المكتب السياسي للتيار الوطني الحر وزير الطاقة سيزار أبي خليل للسبب نفسه.
هاتان المبادرتان من رئيس الجمهورية والمجلس جاءتا تحت عنوان واحد هو التدليل على ان جميع اللبنانيين متوحدون، عندما يتعرّض بلدهم لأي خطر خارجي مهما بلغت حدة خلافاتهم على الأمور الداخلية، وما من شك فيه انهما فتحتا ثغرة في الجدار المسدود بينهما منذ نشوب أزمة مرسوم الاقدمية لضباط دورة 1994، تمهد لوقف الاشتباك السياسي الحاصل، وإعادة المياه بين الفريقين الى مجاريها السابقة، أو على الأقل توقف حملات التصعيد المتبادلة والتي وصلت بعد التسريبات الأخيرة إلى حدود غير مسبوقة، من دون أن يسجل أي منهما أي تراجع أو تنازل عن مواقفه السابقة من القضايا التي شكلت نقاط الخلاف، وهذا أمر جيد يدل على تحسس الفريقين للأخطار التي تنتج عن استمرار الخلافات بينهما، من دون أن يسجل على أي منهما أنه قدّم تنازلات للآخر على حسابه.
وإذا كان بداية الكلام بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي في هذا الاتصال الهاتفي تمحور بشكل خاص حول تصريحات الوزير الاسرائيلي، فمما لا شك فيه ان جانباً منه تطرق إلى الخلاف الناشب بينهما وتداعياته السلبية على وحدة الموقف اللبناني الذي تستدعي التطورات المستجدة، وحدته وتراصه لا سيما على مستوى السلطة، حتى لا يستغل أي خلاف لاضعاف الموقف اللبناني، وهذا أمر جيد، لأنه وبصرف النظر عن كل التحليلات التي ستصدر عنه كسر الجليد بين الرئاستين الأولى والثانية وسهل الأمر أمام سعاة الخير للتحرك مجدداً على خط تهدئة الأمور وتبريد الأجواء المشحونة تمهيداً للوصول إلى تسوية الخلافات العميقة وغير العميقة بينهما. والاهم من ذلك انه سيضع حداً للشحن السياسي والطائفي في الشارع والذي تجاوز الخطوط الحمر في حادثة دخول عناصر من حركة أمل الى بلدة الحدث مدججين بالسلاح ورافعين شعارات منددة برئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر ومشيدة برئيس مجلس النواب ورئيس حركة «أمل» الشيعية.
والأهم من كل ذلك، ان الفريقين أدركا وإن متأخرين، خطورة الطريق التي يسلكانها على الاستقرار الداخلي، ولا سيما على الاستقرار الأمني، وعودة شبح الحرب الأهلية التي ذاق اللبنانيون من كل الطوائف مرارتها وآلامها ومآسيها على البشر قبل الحجر، واقسموا في ما بينهم على عدم العودة إليها مهما تعقدت الخلافات بين مرجعياتهم السياسية وحتی الطائفية، فضلاً عن ان ما حصل في اليومين الماضيين، بصرف النظر عمن كان صاحب المبادرة الرئيس عون أم الرئيس برّي، لا يترك أي مجال للشك في ان الفريقين أدركا خطورة استمرار الوضع الحالي على الاستقرار الداخلي، ولم تنقصهما الشجاعة في الإقدام على ما أقدما عليه، سواء باتصال مكتب الرئيس برّي بوزير الطاقة العوني أو برد الرئيس عون على التحية بمبادرة الاتصال برئيس مجلس النواب، بصرف النظر عن الذريعة التي استخدمت لهذا الغرض، وفي مطلق الأحوال فإن الشكر يجب أن يُوجّه إلى الوزير الإسرائيلي ليبرمان بوصفه كان المحرّك الأساسي للمياه الراكدة.