ليس صدفةً أن يأتي إعلان حركة «حماس» الاتفاق مع فصائل فلسطينية أخرى على «حل وطني» يقوم على تشكيل «حكومة وحدة»، وتحديداً بعد الالتباس الذي أحدثته محاولة جمهورية ولاية الفقيه ترقيع «تخاذلها» عن الانتقام لاغتيال مهندس استراتيجيتها الإقليمية، قاسم سليماني، الذي قضى بضربة جوية أميركية في بغداد مطلع 2020، بالقول إنّ عملية «طوفان الأقصى» جاءت كجزء من الردّ على هذا الاغتيال.
فـ»الحركة» ومن خلفها رأس المحور الممانع وأذرعه، حرصت على إقناع الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي، بأنّها لم تسبّب حرب الإبادة التي تشنّها عليهم آلة القتل الإسرائيلية، تنفيذاً لأوامر إيرانية، وذلك بهدف الالتفاف على مناخات البحث عن تسوية عادلة للقضية الفلسطينية بالمفاوضات مقابل إرساء أسس التطبيع مع إسرائيل، وما يرتبط بهذه المناخات من فوائد اقتصادية كانت قد برزت ملامح انطلاقتها مع الاتفاق على إنشاء خط سكة حديد مشترك يربط الهند بأوروبا مروراً بدول الخليج العربي وصولاً إلى ميناء حيفا، مع ما يعنيه ذلك من تجاوز لإيران، الأمر الذي يؤدي إلى الإطاحة بمصالحها الاقتصادية وإلى إلحاق الضرر بنفوذها في المنطقة واحتكارها «النضال» في سبيل القضية الفلسطينية.
إلا أنّ ما فعله تصريح المتحدّث باسم «الحرس الثوري» الإيراني، بعد مقتل رضى موسوي، مسؤول إمدادات قوات الحرس في سوريا، أبرز أنّ ردّ الفعل الأوّلي لم يكن إلّا محاولة بائسة لحفظ ماء الوجه على حساب أهالي غزة، يتجاوز بكثير بقاء المسألة في حيّز الإرباك، ويقود إلى الاستنتاج أنّ حركة «حماس» تورّطت في عملية تتوخّى منها إيران أهدافاً واضحة، حتى لو كان الثمن تسهيل فعل الإبادة الذي تواصله إسرائيل بحقّ المدنيين في غزة. وهو لا ينسف فقط سردية محور الممانعة التي سعت ولا تزال تسعى منذ اليوم الأول لعملية «طوفان الأقصى» إلى نفي معرفتها المسبقة بالعملية، وإنما ينسف التعاطف الدولي الكبير مع القضية الفلسطينية بمواجهة الجرائم الإسرائيلية، لأنّ التصريح الإيراني متناقض مع ذاته، أولاً، ومع جهود «حماس» للفصل بين الممانعة كخط يفرض على الأذرع الالتزام برأس المحور، وبين إعادة الأرض المسلوبة إلى أصحابها، ثانياً.
لذا ليس صدفة أن تسارع «الحركة» إلى الإيحاء بأن ما تقوم به فلسطيني خالص لا تشوبه شائبة من خارجه، فهي تحاول من خلال هذه السردية الحدّ من التداعيات الأعنف على الصعيد الداخلي الفلسطيني لما تورّطت به. وهو بالتأكيد سينعكس وبالاً عليها في بيئتها عندما تتوقّف آلة القتل بعد مفاوضات وصفقات يستفيد منها رأس المحور على حساب الدم الفلسطيني.
فتداعيات الفشل الإيراني في حماية قادة نظامه من الاختراقات، كشفت أكثر من المتوقّع بعد اغتيال رضى موسوي، ليس فقط في غزة، ولكن أيضاً على صعيد كل ما يتعلّق بأذرع المحور من اليمن إلى العراق، والأهم إلى جنوب لبنان، حيث الرقص على حبال انفجار الجبهة واستحالة ضبطها يصبحان أكثر خطورة مع جموح رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، وسعيه لجرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع الدم الذي تطيب له السباحة فيه للتغطية على نقاط الضعف التي أبرزتها عملية «طوفان الأقصى». بالتالي، جاء ادّعاء الثأر لسليماني بدماء الفلسطينيين ليخلط أوراقاً كان العمل جارياً عليها لوضع خطط «اليوم التالي»، وتكريس حركة «حماس» ممثلة وحيدة للقضية الفلسطينية، وإلغاء دور حركة «فتح» و»منظمة التحرير الفلسطينية»، وكَشَفَ أنّ الشعارات الوهمية التي ترفعها إيران ووكلاؤها في المنطقة، وعلى رأسهم «حزب الله»، لا تجيد حتى الثأر لسليماني بدماء الفلسطينيين… وربما تؤدي إلى خروج القضية من يد المحور الممانع.