IMLebanon

ضربة الثأر: دروس وعبر

بالرغم من التضارب الذي سمعناه في المعلومات التي ادلى بها السيد حسن نصر الله امين عام حزب الله وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل حول الاشتباكات المتبادلة التي حدثت صباح الاحد الماضي بتاريخ 25 آب الجاري، فإنه يمكن الخروج باستنتاج عام بأنه قد نجح الطرفان في تخطي امكانية الانزلاق الى حرب واسعة على الحدود اللبنانية  – الاسرائيلية، ومع امكانية تحولها الى حرب اقليمية، اذا ما تدخلت ايران فيها، الامر الذي كان سيدفع القوات الاميركية لتدخل بقوة لنصرة اسرائيل.
يبدو من تقرير اوردته وكالة رويترز بأن الحؤول دون حصول تصعيد في الموقف العسكري بعد الغارات الجوية الاسرائيلية على مواقع القواعد الصاروخية لحزب الله في الجنوب، واطلاق حزب الله ما يقارب 320 صاروخ كاتيوشا وعشرات المسيّرات باتجاه شمالي اسرائيل، بالاضافة الى استهداف قاعدة «غليلوت» الاستراتيجية في الضاحية المباشرة لتل ابيب، والتي تتركز فيها دوائر الاستخبارات العسكرية مع الوحدة 8200 المتخصصة بالتنصت والرصد الاليكتروني.

قد جاء نتيجة الاتصالات التي جرت عبر الوسطاء، من اجل منع حصول تصعيد لا يرغب فيه الطرفان، وفق ما اوردته القنال 12 الاسرائيلية، الولايات المتحدة مشاركة في الاشتباك بل شاركت فعلياً في ضبط الوضع عبر الدبلوماسية.
واضافت القنال 12 بأن واشنطن قد اعطت موافقتها لاسرائيل بشن الغارات الكثيفة على اكثر من 40 موقعاً في جنوب لبنان قبل نصف ساعة من بدء الهجوم الصاروخي لحزب الله، مع تحذير القيادات الاسرائيلية من مخاطر الانزلاق لحرب واسعة.
لكن لم يفت القيادات الاميركية في واشنطن التأكيد بأنها لم تشارك في مساعدة اسرائيل في صد هجوم «الاربعين» للثأر لمقتل القائد العسكري فؤاد شكر، مع اعترافها بتقديم مؤازرة استخباراتية للقيادة الاسرائيلية.

يقود التقييم للسردية الاسرائيلية للعملية وما اورده السيد نصر الله في اطلالته المتلفزة الاخيرة بأن الطرفين قد حرصا على عدم التفلت من تطبيق الضوابط التي تحول دون التصعيد باتجاه حصول حرب لا تريدها اسرائيل او حزب الله، وبرعاية اميركية، خصوصاً في ظل الجهود الدبلوماسية الجارية في القاهرة من اجل تحقيق وقف لاطلاق النار، مقابل اخلاء بعض الرهائن الاسرائيليين والاسرى الفلسطينيين.
ما بعد عملية حزب الله الثأرية لمقتل قائده العسكري شكر لن يكون مستوى التهديد بين الطرفين على ما كان قبلها، في ظل ما صرح به وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالنت بان اسرائيل «تأمل في التوصل الى حل دبلوماسي مع حزب الله في الشمال»، وتصريح السيد نصر الله، بأنه يعتبر بأن المواجهة التي جرت يوم الاحد قد انتهت، واعداً بتقييم النتائج للقيام بما يلزم لاحقاً، وعلى  ضوء ذلك «يمكن للبلد ان يرتاح»، حيث ستعود العمليات على ما كانت عليه خلال الاشهر الماضية، مع حرص الطرفين على تفادي التصعيد. من خلال الالتزام بقواعد الاشتباك التي اتقن الطرفان ممارستها وخصوصاً لجهة تفادي ضرب اهداف مدنية او بني تحتية رئيسية، لكن لا يمكن استبعاد حصول تصعيد للوضع في المستقبل بين الطرفين يدفع من جديد الوضع عبر الخط الازرق الى شفا مواجهة خطرة، اذا استمرت اسرائيل في عملياتها باستهداف قادة حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، واذا قررت ايران تنفيذ رد مباشر وفاعل على اسرائيل، من اجل استعادة «سيادتها وكرامتها» بعد اغتيال اسماعيل هنية في طهران.

على ضوء تقييمي الشخصي للعملية التي شنها حزب الله وما هو متوقع لمسار الحرب في غزة، واستمرار عملية حزب الله لمؤازرة حماس يمكن ابداء مجموعة من الملاحظات:
الملاحظة الاولى: نجح حزب الله في الوفاء بوعد امينه العام في شن هجوم مباشر على اسرائيل بهدف الثأثر لاغتيال فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، مع تغليب الحكمة في شكل الرد، وخصوصاً لجهة تجنب الاهداف المدنية، ومنعاً  لسقوط قتلى في صفوف المدنيين، الامر الذي كان سيدفع اسرائيل الى شن هجمات قاسية ضد المدنيين في الجنوب وبعلبك والضاحية.
الملاحظة الثانية: جاء ردّ حزب الله في ايام حرجة تجتازها الازمة، حيث تبذل الجهود الدبلوماسية في القاهرة من اجل التوصل الى وقف لاطلاق النار في غزة، والذي من المتوقع ان ينعكس ايجابا على كل جبهات محور الممانعة، بما فيها لبنان.
ولذلك فإن حزب الله لن يتهم بتعطيل مباحثات القاهرة، وبالتالي اطالة المأساة التي يواجهها السكان المدنيون في غزة.
الملاحظة الثالثة: نجح حزب الله في تنفيذ «عملية الثأر» دون تمكين اسرائيل من تغيير الواقع الميداني على جبهتها الشمالية، مع اجبار نتنياهو وحكومته على قبول منطقة امنية داخل اسرائيل، مع استمرار تهجير ما يقارب 70 الف مواطن اسرائيلي عن قراهم وبلداتهم، مع كل ما يشكل ذلك من اثمان سياسية للحكومة الاسرائيلية، وخصوصاً ارتفاع مستوى الضغط الشعبي مع اقتراب موعد افتتاح العام الدراسي.
الملاحظة الرابعة: أصرّ الامين العام لحزب الله على اعلان احتفاظ الحزب بحرية المناورة في الرد حيث اطلق مئات الصواريخ من جنوبي وشمالي نهر الليطاني، وذلك رداً على مطالبات اسرائيل بانسحاب قوات الحزب من شمالي النهر، كما اكد على امتلاك الحزب حرية الحركة والعمل في سهل البقاع، في عملية اطلاق المسيّرات والتي بلغ بعضها عمق 110 كيلومترات في الداخل الاسرائيلي.
الملاحظة الخامسة: يمكن للحزب الآن القول باستعادة توازن الردع مع اسرائيل، وهذا ما دفعه لاعلان انتهاء عملية شكر، مع متابعة تكتم العدو على نتائجها، والقرار باستكمالها اذا لزم الامر.
على الرغم من شجاعة وحكمة قيادة الحزب في اطلاق عملية الثأر ودوزنتها لتحول دون الانزلاق لحرب واسعة، فقد استمر نتنياهو في المكابرة من خلال ادعائه امام مجلس الوزراء بنجاح «عمليته الاستباقية» لافشال هجوم حزب الله واسقاط او تدمير معظم صواريخه ومسيّراته التي اعدت للهجوم، واعداً بتغيير المعادلة على الجبهة الشمالية، وبأن ما حصل يوم الاحد الماضي هو الخطوة الاولى، وستتبعها خطوة ثانية باعادة آلاف المواطنين الى منازلهم في الشمال، «وهذا ما يجب ان يعرفه نصر الله وخامنئي».
تقتضي الحكمة ان يحافظ حزب الله على قواعد الاشتباك «الاصلية» ومنع اسرائيل من تنفيذ تهديداتها ضد لبنان وتدمير البنى الاساسية فيه.