يشبه الاستعراض الروسي في سوريا، في بعض نواحيه «الإبهارية»، ذلك الذي اعتمده الإيرانيون في العراق غداة «نكسة حزيران» 2014 وخروج «داعش» على العالم وسيطرته البرقية على الموصل ومناطق توازي مساحتها ثلث جغرافية الكيان العراقي.
فجأة ضخّ الإيرانيون، غداة ذلك، وعلى مدى أسابيع، أخباراً وصوراً لقائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني، توازي كل ما نُشر وأُعلن عنه في كل تاريخه.. تارة يتفقّد مواقع في محيط بغداد، وتارة يزور المراقد الدينية ومرجعياتها، وتارة يتباسط مع عناصر مسلحة، ودوماً في لباسه العسكري ولكن من دون سلاح.. و»الفكرة» هي أنّ «صورته» وأخبار «إشرافه» على، أو «قيادته» للعمليات المضادّة لـ»داعش» يُفترض أن تكون عاملاً حاسماً في دبّ الرعب لدى الأعداء الداعشيين تمهيداً لانطلاق حرب تحرير ما سيطروا عليه.
.. بعد عام وثلاثة أشهر، لا يزال «داعش» يحكم الموصل ومعظم المناطق التي سيطر عليها ومن دون أي قتال يُذكر!
ما يفعله الروس في سوريا اليوم يحمل بعض سمات ذلك الأداء الاستعراضي رغم أنّه يبدو أكثر جدّية وثقلاً: بدلاً من صوَر الرموز، يشاهد العالم صوَر طائرات حديثة واستعدادات لوجستية في بعض مناطق الشمال لكنه (هذا العالم!) يسمع في موازاة ذلك، كلاماً كبيراً إلى حد يدفع بالمتلقّي إلى افتراض أنّ الأمر سيُحسم غداً! وأنّ الروس «احتلوا» سوريا! وأنّ بشار الأسد انتصر! وأنّ محور «الممانعة« ركّع كل أعدائه! وأنّ سوريا اليوم هي النسخة المستعادة لإسبانيا الثلاثينات، وأنّ الأسد هو النسخة المستعادة للجنرال فرانكو!
الواقع يقول غير ذلك.
رغم كل الإبهام المحيط بالأهداف الروسية، وكل الأسئلة التي لا أجوبة حاسمة عنها حتى الآن، وكل التخبّط الواضح في مواقف الأميركيين والغربيين، فإنّ الخطوط العامّة للمشهد تحدّد خطوطه التفصيلية. ومنها، أنّ النزول الروسي دفاعي وليس هجومياً! ورقعة انتشاره محدودة وضيّقة نسبة إلى خريطة الحرب! وأنّ برنامج العمليات، ومن دون الاستعانة بخبريات وآراء خبراء، يستحيل أن يتضمّن أي هدف يمكن أن يؤدي إلى «إشكال» ما مع قوى التحالف التي تخوض الحرب ضدّ «الإرهاب الداعشي».. وأنّ حدود «حلف الأطلسي» في تركيا لا يمكن أن تكون مهدّدة بأي طريقة وخصوصاً بالشكل الذي تروّج له الآلة الإعلامية والسياسية الأسدية والممانعة.. والأهم من ذلك كله، هو أنّ قوى المعارضة المسلحة لم تصب بالهلع ولم تتراجع في أي نقطة، وأنها تعرف في المحصّلة، أنّ ما تفعله موسكو قد يؤخّر النهاية الحتمية للأسد لكنه لن يغيّرها!
.. ومرّة جديدة: أليس غريباً بالفعل، أن «ينتشر» الروس في المنطقة الشمالية التي ستكون الملجأ الأخير للأسد، وليس في قلعته الحالية في دمشق أو في محيطها؟! وألا يعني ذلك، أنّهم يبنون أو يساهمون، في بناء خطّ الدفاع الأخير عن ذلك الطاغية؟!