التوصيف الذي أعطته موسكو لاجتماع طهران لوزراء الدفاع الروسي والإيراني والسوري، بدا أكثر واقعية وتواضعاً من التوصيف الرنّان الطنّان الذي أسبغته القيادة الإيرانية عليه.. فهو على ما قال ناطق روسي يتعلق بالوضع في سوريا وليس بـ»محاربة الإرهاب»! أي كأن شيئاً من الخفر والخجل استوجب هذا التوضيح، علماً أن الأمر برمته لا يعدو كونه استعراضاً لا أكثر!
والاختلاف في التوصيف (شكلاً) لا يلغي الركاكة في المضمون. كأن المطلوب إظهار موسكو شيئاً من التعويض المعنوي لطهران وسلطة بشار عن أمور كثيرة، منها صعود «التنسيق التحالفي» مع إسرائيل في موازاة ضمور أو تراجع الزخم القتالي الروسي في المعارك الدائرة وغياب التماثل في الأهداف العامة لهذا التحالف الذي فرضته الضرورة أكثر من الإرادة.
وليس خافياً أن طهران والأسد يريدان أكثر بكثير مما تعرضه موسكو من خدمات قتالية، لكن لهذه الأخيرة، في أول المطاف ونهايته، حسابات تكتيكية واستراتيجية كبرى تتخطى الجغرافيا القتالية الراهنة ولا تنحصر فيها.. وكان مفهوماً للصغير والكبير منذ بدء ما يُسمى «عاصفة السوخوي» أن الأجندة التي تحكم أداء فلاديمير بوتين ليست كتلك التي تحكم وتتحكم بأداء ممثلي «المرشد» الإيراني ولا برغبات بقايا السلطة الأسدية في دمشق.
وكان مفهوماً بالتوازي أن بوتين جاء إلى سوريا بشروطه وليس بشروط الآخرين.. وفي حسبانه (المألوف) أنه ما كانت خدماته لتُطلب على عجل لولا أن الإيرانيين أساساً تمكنوا على مدى سنوات الحرب الخمس الماضية، من إيقاف الانحدار الكارثي لحليفهم في دمشق.. وطالما أنه «المنقذ» فهو لن يرضى بدور الكومبارس خصوصاً وأنه في الأساس ينظر إلى نفسه باعتباره إحيائياً استثنائياً يحمل على أكتافه مهمة «إنقاذ» روسيا وإعادتها إلى سابق عصرها ومجدها مع كل ما تتطلبه هذه المهمة من مواجهات واقتحامات لا تبدأ في القرم ولا تنتهي في القرداحة!
أولى صدمات ذلك التمايز كانت الإشارات والخطوات الدالة على عمق الالتزام الروسي بإسرائيل و»أمنها». وتكرار التأكيد وبطريقة لم تحفظ ماء في وجوه الإيرانيين ولا حليفهم «حزب الله»، بأن التنسيق العسكري مع تل أبيب مفتوح وعلى الهواء مباشرة! وأن واحداً من أبرز أهداف نزول موسكو في سوريا، هو ضمان أن لا يتعرض «أمن إسرائيل» لمخاطر لا يريدها الكرملين بأي شكل كان!
وكانت لذلك تتمات كبيرة وخطيرة، منها يتعلق بإبقاء خطوط التواصل مع الولايات المتحدة مفتوحة على مداها في شأن «الحل السياسي» المطلوب والمنشود، ومنها ما يتعلق بارتفاع وتيرة استهداف قيادات تاريخية لـ»حزب الله» على الأرض السورية! وفي ظل «التنسيق» المفتوح بين قاعدة حميميم في سوريا وغرف العمليات العسكرية في إسرائيل!
لن يعدّل اجتماع طهران الاستعراضي شيئاً يُعتدّ به أو يُذكر، في صورة هذا الحلف المهزوز، ولن يغطي على التناقضات الخطيرة القائمة بين أقطابه.. مثلما لن يطمس (سريعاً) وهج قمة موسكو الإسرائيلية الروسية، والأهم من ذلك كله، أنه لن يكفي لتهدئة مخاوف الأسد وطهران، ولا هواجسهما، إزاء الخطوط الروسية المفتوحة مع واشنطن تحت لافتة التوافق على «الحل السياسي»!
استعراض فاشل، مثل حلف أصحابه!