أقفلت صناديق الاقتراع البلدية، لتفتح «مجالس العزاء» في أكثر من مقرّ برغم «الإعلانات الاستعراضية» عن الانتصارات..
باستثناء الانتصار المدوّي الذي جاء على شكل «حرب إلغاء» في بلدية الحدث، بوجه «القوات اللبنانية»، يَصعب الحديث عن انتصارات بلدية «تُثلِج» قلوب «البرتقاليين» برغم المكابرة وادعاء العكس.
أطلّ جبران باسيل من البترون، ليؤكّد أن «كلمة الاحزاب أصبحت أقوى»، من دون أن يفسّر ترجماتها في بيروت، التي وقفت الاحزاب المسيحية تحديداً بوجه خيارات زعمائها، وزحلة، التي كان يمكن أن تشكّل مقبرة للأحزاب لو ألهمت «سيدة الزلزلة العجائبية» ميريام سكاف ونقولا فتوش بالتلاحم على لائحة واحدة، وتنورين، التي كرّست زعامة بطرس حرب في البلدة الجردية بغض النظر عن نقاط الربح في القضاء، والقبيات معقل العونيين التي أبقت مفتاح البلدة في جيب مخايل الضاهر وهادي حبيش، وجزين التي استطاعت إحدى عائلاتها الكبرى (الحلو)، «تعليم» أكبر الأحزاب المسيحية درساً لن تنساه…
تحدّث باسيل، تماماً كما العديد من القيادات العونية، بذهنية المنتصر، لكنه كشف ان «عدم الجهوزية الكاملة للتيار للاستحقاق البلدي تعود الى ان تنظيمنا انطلق قبل مدّة قصيرة في 14 آذار(2016)».
كانت الجملة المفتاح التي أخرجت بعض العونيين عن طورهم، ودفعت القيادي نعيم عون رأس حربة المعارضة في «التيار»، الى اللجوء للمرة الاولى الى حيطان العالم الافتراضي، الذي لا يستهويه، ليقول بالحرف الواحد «اذا كان التيار قد انطلق بـ 14 آذار 2016 هل يستطيع أحد ان يشرح لي ماذا فعل «شباب التيار» لأكثر من 26 سنة من نفي ونضال وتضحيات واعتقالات. والسؤال الأهم ما كان دور العماد عون اذاً، وما هي إنجازاته في كل تلك السنين وخاصة من الـ 2005 وحتى اليوم؟».
وما لم يقله نعيم عون تكفّل الباقون، ممن غاص بعضهم في المعارك البلدية حتى أذنيه، بقوله: كيف يمكن لتيار خاض معركة حكمت ديب عام 2003 في مواجهة «الاشتراكي» و«القوات» و«الكتائب» و«حزب الله» و«أمل» و«القومي» و«البعث» وطلال ارسلان، وجعل من هنري حلو نائباً وحكمت ديب فائزاً، أن يختصر مسار احتكاك «التيار» مع الارض بأقل من عام هو تاريخ مبايعة باسيل في الحزب؟ ماذا عن المواجهة التاريخية مع «الحلف الرباعي» في العام 2005؟ وكيف يمكن لـ«الحزب المشرقي» الذي يُدير دفة أكبر كتلة نيابية مسيحية، وتوافرت له عشر وزارات دفعة واحدة في إحدى الحكومات، ويخوض معارك مصيرية دفاعاً عن حقوق المسيحيين أن يختصر عمره الحزبي بأقل من عام واحد؟
وكيف يمكن تبرير الفارق في الأداء بين الانتخابات البلدية في العام 2010 التي كانت أكثر تماسكاً تنظيمياً من دون توافر معالم البناء الحزبي المنتخب من القواعد كما هو الحال اليوم؟ وهل سيكون صحياً رؤية مسؤول ملف البلديات في «التيار» ورئيس بلدية عندقت عمر مسعود غارقاً في «معركته الخاصة» بالتزامن مع إدارته باقي الجبهات؟ وألا يتفوّق، بهذا المعيار، حزب ايلي محفوض (التغيير) وحزب اميل رحمة (التضامن) على «التيار» الحديث الولادة؟
شّتت الاستحقاق البلدي العونيين ووزعهم بين لوائح متنافرة، ومن أصعب الاستنتاجات بأن «التفلّت ضرب القواعد حين افتقدت للنموذج الصالح ورُصدت عمليات البيع والشراء من فوق رؤوسهم»!
الكثير من الاحزاب عاش حالة «الانفصام»، لكن النموذج البرتقالي كان فاقعاً. بغياب الإدارة الحزبية الحديدية والمعايير الموحّدة وآليات اتخاذ القرار وتحديد أهداف المعركة وعناوينها تعوم العيوب بسهولة على السطح.
وصل الأمر الى حد خوض مواجهة كسر عظم بين نبيل نقولا وابراهيم كنعان في جل الديب انتهت بربح الاول بعد تحالفه مع ميشال المر. ونكبة الثاني لم تقف عند عتبة جل الديب وسن الفيل، حيث اكتشف لاحقاً أن «خصمه» في الخنشارة لم يكن فقط ملحم رياشي بل الوزير الياس بو صعب بالتضامن والتكافل مع «دولة المر»!
وعندما راح ابراهيم كنعان يعدّد البلديات المتنية الفائزة برتقالياً، انبرى له أحد وزراء «التكتل» سائلاً إياه: «يعني ذلك أن رئيس اتحاد البلديات صار في جيبتك طالما أننا فزنا بأكثر من 30 بلدية متنية».. كان كلام كنعان دقيقاً الى درجة أن ميرنا المر فازت باتحاد البلديات بالرقم نفسه!
حتى الآن لا يملك العونيون تفسيراً مقنعاً من قيادة «التيار» لتحالفهم مع سعد الحريري في بيروت تحت شعار الحفاظ على الميثاقية، وموقعة زحلة التي شكّلت عنوان صدام مع «تيار المستقبل» ووصلت الى حدّ لوم «حزب الله» على «عدم التزامه» وانتهت بدق أجراس الكنائس؟
سيحتاج هؤلاء الى قاموس لفك شيفرة التحالفات الهجينة والمعارك غير المبرّرة وتلك التي صنّفت في إطار الهروب من المواجهات. لماذا التزكية والخنوع في مثلث المنصورية والدكوانة والجديدة، ثم إطلاق حروب كونية في انطلياس وجل الديب والضبية وسن الفيل بوجه من جرى التحالف معهم في مثلث الأقوياء؟
جونية، برأيهم، كانت كفيلة بدفع ميشال عون للاتصال بسمير جعجع والقول له «تفضّل على فنجان قهوة». هناك أعلنها صراحة «الجنرال» «هذه حرب إلغاء تشن ضدي».
لكن قبل أن يلوم «إقطاع» منصور البون وفريد هيكل الخازن، و «قلّة وفاء» نعمه افرام، وأموال «المغترب» الذي لا تزال بصمات «خيراته» حاضرة في الرابية، كان يجدر به أولاً سؤال جعجع لماذا يدخل «شريكاً مساهِماً» في مشروع إلغائه، فيما «يبيعه» تحالفاً «شاعرياً» خاسِراً في غوسطا ضد الإقطاعي فريد هيكل الخازن، ويسير بخيار «العنترة» على دروي شمعون في الشوف.
لا أحد يعرف عن الوزير السابق يعقوب الصراف مقرّر المكتب السياسي في «التيار» إلا كونه قيمة مضافة لمن يجالسهم في الحزب. «شغّيل» رقم واحد، لكن بصمت، فرنكوفوني قريب من الناس وهمومهم، ويشعّ «نظافة» حين يفتح ملف المنتفعين داخل «البيت البرتقالي»، مع ذلك مُني بخسارة موجعة في بلدة المنيارة العونية.
على الأرجح، دفع الرجل ثمن «هواه الباسيلي» الذي يفاخر به علناً، إضافة الى ثمن تحريضه، ربما لحسابات نيابية، على القيادي زياد عبس في بيروت. فردّ له «المنياريون الأحرار» التحية مع حبّة مسك «تشليحه» حتّى المختار، وبطريقهم وجّهوا «تحية عسكرية» لشامل روكز.