أحيا لبنان عيد استقلاله الثالث والسبعين باحتفالية ناجحة من حيث الشكل: عودة المشهدية الرسمية الجامعة مرفقة باستعراض عسكري جسّد تطور الجيش وفعاليته في حماية الداخل من اخطار اسرائيل والارهاب. لكن تعثر مضمون الاحتفالية بدا واضحا في غياب حكومة العهد الاولى التي افقدت الانطلاقة بعضا من زخمها، خصوصا في ظل المخاوف من استمرار التعثر في ظل التجاذب الحاصل على الحصص والحقائب.
وبذلك بات واضحا ان تسهيل انجاز الاستحقاق الرئاسي، وإن بعد فراغ عامين ونصف العام، لا يعني حكما تسهيل الانجاز الحكومي. ويدلّ ذلك على ان «حزب الله»، الذي تمسّك بالعماد ميشال عون مرشحا وحيدا للرئاسة طوال هذه الفترة، كان هدفه الفعلي الابقاء على الفراغ الرئاسي لكنه رأى نفسه في النهاية مجبرا على ملئه، فانتقل بالتعطيل الى الحكومة.
فـ«حزب الله» يسعى، مع حلفائه باستثناء «التيار الوطني الحر»، الى رفع عدد اعضاء الحكومة الى ثلاثين، لمواجهة ما يسمونه انتفاخ الاحجام في اشارة الى نسبة التمثيل التي تريدها «القوات اللبنانية» من جهة، والى تمثيل حلفائهم من قوميين وبعثيين من جهة اخرى، اضافة الى تفردهم باختيار كامل الاعضاء الشيعة، بما يؤمّن لهم وزنا يسمح بالتحكم على طاولة الحكومة وفق سياسي متابع عن قرب للمفاوضات. فهم يستخفون بدور معراب في انتقال الرئيس ميشال عون من الرابية الى بعبدا ويضعونه في خانة تمسكهم بترشيحه وفي خانة ازمة الرئيس سعد الحريري المالية. يضاف الى ذلك زجّ تمثيل «المردة» بين معارضة الثنائي المسيحي واعطائه حقيبة «وازنة« وبين تمسك «حزب الله« و»حركة امل» كما تيار «المستقبل« بتعويضه عن رئاسة كانت اقرب اليه اكثر من اي وقت مضى.
لكن وبما ان المهمة الرئيسة للحكومة هي الانتخابات النيابية وقانونها، الذي على اساسه تتشكل موازين القوى السياسية للسنوات المقبلة، كان ميل الرئيس المكلّف، كما رئيس الجمهورية لحكومة من 24 وزيراً، بدل الفضفاضة على غرار حكومات الوحدة الوطنية السابقة التي كانت سمتها التعطيل.
لقد فشل الرهان على ان تتمثل الحكومة على المنصة الرئيسية للاستعراض العسكري برئيس واحد رغم المرونة والهدوء والصمت التي طبعت تحركات الرئيس المكلّف خلال نحو ثلاثة اسابيع، وهي فترة ما زالت ضمن حيز المعقول مقارنة بالفترات التي استغرقتها حكومات عهد الرئيس السابق ميشال سليمان الثلاث السابقة والتي تراوحت بين بضعة اشهر لتتخطى عشرة اشهر مع حكومة الرئيس تمام سلام.
والعرقلة الحكومية لا يقتصر سببها على الحقائب بل على ما خلفها من اوزان، بما يدفع للخشية من ان يكون هدفها، كما كان هدف الفراغ الرئاسي، انتظار التطورات الاقليمية وفق المصدر نفسه. يضاف الى ذلك ان توقيت الاستعراضات عشية الاستقلال لا يمكن ان يكون مجرد مصادفة، سواء في القصير السورية خصوصا وان قدرة «حزب الله» العسكرية معروفة ولا تحتاج الى دليل، وصولا الى بلدة الجاهلية اللبنانية حيث يستحيل على الوزير السابق وئام وهاب القيام باستعراضه المموه من دون ضوء اخضر من «حزب الله».
ويتساءل المصدر عما اذا كان سبب امتعاض الثنائي الشيعي من الثنائي المسيحي المستجد يقتصر على عدم الثقة بـ«القوات اللبنانية» او انه بداية شك في تموضع رئيس الجمهورية. فأول انجازات العهد الجديد انفتاح خليجي واضح على لبنان بعد سنة من التوتر تميزت بادراج «حزب الله» على قائمة الارهاب ووقف هبة بثلاثة مليارات دولار للجيش. يضاف الى ذلك انتقادات صحيفة مقربة من «حزب الله« لرسالة الاستقلال التي وجهها الرئيس عون الى اللبنانيين عشية العيد، إذ وصفت الخطاب بأنه «جاء باهتا للغاية ويكاد يكون صورة طبق الاصل عن خطابات العهد الوسطي السابق» في اشارة الى عهد الرئيس ميشال سليمان الذي درجت على انتقاد مواقفه.