في 26 نيسان الماضي، صدر عن «مجلس شورى الدولة» القرار رقم 513/2016-2017، القاضي بإبطال المرسوم رقم 3791/2016، الذي يخفض الحدّ الأدنى الرسميّ للأجر اليومي المنصوص عليه في المادة الثانية من المرسوم رقم 7426/2012، بحيث يصبح 26 ألف ليرة بدلاً من 30 ألف ليرة.
هذا القرار يدحض تبريرات وزارة العمل التي أطلقتها حينها، والتي أشارت فيها إلى أن «المرسوم المُلغى يصحّح خطأً مادياً ارتُكب عند حساب قيمة الحدّ الأدنى الرسميّ للأجر اليومي»، ليؤكّد أن مجلس الوزراء مجتمعاً اتخذ مرسوماً جديداً يستهدف الفئات العاملة الأكثر تهميشاً، وقرر خفض أجرهم اليومي بقيمة 4 آلاف ليرة، «دون وجود أي مبرّر قانوني أو واقعي لهذا الخفض، في ظل زيادة مؤشر غلاء المعيشة»، بحسب ما ورد في خلاصة قرار مجلس الشورى، «ما يشكّل مخالفة للمبادئ المستقاة من الدستور والاتفاقيات الدوليّة ولمبدأ استقرار الأوضاع القانونيّة ويلحق ضرراً بالغاً بشريحة كبيرة من المياومين والأجراء، ويخلّ بالتوازن الذي أرساه المرسوم بين الأجير الشهري والأجير اليومي».
تهميش الفئات المهمّشة!
يأتي هذا القرار نتيجة لمراجعتين قدّمتا أمام «مجلس شورى الدولة» تطلبان إبطال المرسوم، وهما المراجعة رقم 21624 التي تقدّم بها «الاتحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين في لبنان»، والمراجعة رقم 21592 التي قدّمها رئيس اتحاد نقابة سائقي السيّارات العموميّة للنقل البريّ عبد الأمير نجدي، التي اعتبرت أن تحديد الحدّ الأدنى الرسمي للأجور ليس قراراً استنسابياً متروكاً للحكومة، بل هو عمل إلزامي مقيّد بأصول جوهريّة ويرتبط بمؤشر غلاء المعيشة، ومبني على الدراسات وجداول تقلبات أسعار كلفة المعيشة. لكنه عملياً بني على أسباب غير مشروعة، ولم يصدر بهدف تصحيح خطأ مادي، بل جاء نتيجة لطلب من بعض الإدارات الحكوميّة والمصالح المستقلّة التي تستخدم عدداً هائلاً من الأجراء المياومين الخاضعين لقانون العمل والذين يتقاضون الحدّ الأدنى على أساس يومي. ما حمل وزارة العمل على اقتراح هذا المرسوم ليخفّف من أعباء الإدارات على حساب حقوق الأجراء المياومين، ما أدى إلى انحراف السلطة عن تحقيق النفع العامّ.
مخالفات القرار
يقرّ قرار مجلس الشورى في حيثياته بأنّ المرسوم الملغى 3791/2016 ألغى أحكاماً سابقة واردة في المرسوم 7426/2012 واستبدل بها أخرى، فهو يتضمّن تعديلاً للحدّ الأدنى الرسمي للأجر اليومي، إذ ارتكز على التفسير المُعطى من وزارة العمل ومن رئاسة مجلس الوزراء لأحكام المادة 2 من قانون تحديد الحدّ الأدنى للأجور، وقسم العدد الأقصى لأيام العمل الشهري للأجراء والمياومين (26 يوماً) على الحدّ الأدنى الرسمي (675 ألف ليرة) ليصبح الحدّ الأدنى اليومي 26 ألف ليرة، وذلك خلافاً لما أقرّه المرسوم 7426 الذي استند عند صدوره إلى اتفاقيتَي العمل الدوليّة والعربيّة وإلى قانون العمل وقانون تحديد الحدّ الادنى للأجور وإلى دراسات حول مؤشّر غلاء المعيشة، وأخذ في الاعتبار جميع أيام التعطيل المدفوعة التي يستفيد منها الأجير الدائم، من آحاد ومعدّل الإجازات المرضيّة والأعياد الرسميّة والإجازات السنويّة، ليتبيّن أن أيام العمل الفعلي للأجير الدائم تعادل 23 يوم عمل فعلي في الشهر، ما يعني أن الحدّ الأدنى الأجر اليومي يعادل 30 ألف ليرة.
يفنّد قرار «مجلس شورى الدولة» المغالطات التي تعتري المرسوم المُلغى، لكونه أتى مخالفاً:
– المادة 6 من قانون «تحديد الحدّ الأدنى للأجور للعمال والمستخدمين» رقم 36/67، الذي استند إليه أساساً، بحيث لم يتخذ قراره بناءً على دراسات وجداول تقلبّات أسعار كلفة المعيشة، ودون استطلاع رأي لجنة مؤشر غلاء المعيشة، ودون الاستناد إلى دراسة اقتصاديّة واعتبارات اجتماعيّة كما حصل عند صدور المرسوم 7426. وإن هذه المادة لا تلزم الإدارة بالعدد الأقصى لأيام العمل الممكن اعتماده وهو 26 يوماً، انطلاقاً من مراعاة ظروف العمل والعطل الرسميّة والإجازات الممنوحة.
– اتفاقيّة العمل الدوليّة رقم 131 المصدَّق عليها بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 70/1977 والتي تلزم الدولة العضو فيها بالإبقاء على جهاز يتلاءم مع الظروف والمتطلبات الوطنيّة لتحديد الأجور الدنيا للعاملين بالأجر، بالتشاور مع المنظمات الممثلة لأصحاب العمل والعمال، أو لممثليهم. أو وضع أحكام تحترم أسس المساواة. وهو ما لم يحصل.
– المواد 16 و19 و20 من اتفاقية العمل العربيّة رقم 183 والمصدَّق عليها في عام 2000، والتي عرّفت الحدّ الأدنى للأجور بالمستوى المقدّر للأجر ليكون كافياً لإشباع الحاجات الضروريّة للعامل وأسرته، مع ما يترتب عن ذلك من مراعاة حركة الأسعار ومستوى تكاليف المعيشة عند تحديد الحدّ الأدنى للأجر، ومراجعة هذه الحركة دورياً.
– المادتان 44 و46 من قانون العمل التي تنصّ على أن يكون الحدّ الأدنى من الأجر كافياً لسدّ حاجات الأجير الضروريّة وحاجات أسرته. وأن يعاد النظر في تحديد الحدّ الأدنى كلّما دعت الظروف الاقتصاديّة إلى ذلك.
قرار تاريخي
في مؤتمر صحافي عُقد أمس في الاتحاد الوطني للنقابات، شاركت فيه حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» و«المفكرة القانونية»، رأى رئيس الاتحاد كاسترو عبد الله، أن قرار «مجلس شورى الدولة» أنصف العمال والمياومين في لبنان «ضد التعسف الذي اتخذته بحقّهم الحكومة السابقة، وهو نهج ما زال يميّز سلوك الحكومات اللبنانية المستهترة بمصالح العمال والعاملات، وهو ما يدل عليه خفض الحد الأدنى للأجر للمياومين في الوقت الذي تزداد فيه شدة الأزمة الاقتصاديّة وترتفع نسب البطالة والفقر في البلاد، عوض تأمين فرص عمل لائقة لهم وتثبيتهم في وظائفهم وضمان حصولهم على الحماية الاجتماعية والصحية وكل الخدمات».