Site icon IMLebanon

«تمرّد» محافظ أم «إمارة مخفية»؟

                                                 

في كل فترة تقفز الى الواجهة السياسية «حفلة زجل» من ردود وردود مضادة بين الوزير وائل أبو فاعور وبين محافظ بيروت القاضي زياد شبيب. «بالعين المجردة» لا تظهر أي أسباب تبرر السجال الذي ينفجر بينهما بين الفينة والأخرى والذي وصل بالنائب وليد جنبلاط إلى المطالبة تلفزيونيا بإلغاء منصب محافظ بيروت، فردّ عليه شبيب فايسبوكيا بأن «من صبر إلى المنتهى فذلك يخلص».

وفق القانون، تتركز سلطة إدارة شؤون العاصمة وشجونها بيد سلطتين لا ثالث لهما: البلدية والمحافظ. وعليه، تطبق عمليا قواعد الترغيب والترهيب على كل من أنعم عليهم الحظ الوافر أو ربما العاثر وأدخلهم جنة إحدى هاتين السلطتين. أي سجال أو تصريحات نارية على هذا الخط لا بد من فك شيفرته انطلاقا من هذه الثابتة..

المسألة، برأي متابعين أرثوذكس، «أبعد من محافظ وبلدية». يعتبر هؤلاء ان «هذا القصف العشوائي يستخدمه جنبلاط كلما استشعر بدنو توزيع ما للحصص على قاعدة تسوية قد تقوم على انشاء مجلس شيوخ وفق ما ينص عليه اتفاق الطائف. فقد زرع جنبلاط في عقول كثيرين أن رئاسة هذا المجلس هي من حصة الدروز على قاعدة انها الطائفة الرابعة في البلد وهذا غير صحيح. فحصة رئاسة مجلس الشيوخ هي للأرثوذكس وبشهادة الرئيس حسين الحسيني».

وفق المتابعين أنفسهم، «يحاول جنبلاط تهشيم موقع محافظ بيروت، عله يزيح من دربه عقبة تعرقل طموحه المتمثل بتبوّؤ رئاسة مجلس الشيوخ بعدما سلم مفاتيح الزعامة الحزبية لابنه تيمور».

آخر «الرديات» بين بيروت والمختارة طالت شظاياها الشمال. بعد لقائه أطباء الأقضية والمراقبين الصحيين، يخرج أبو فاعور ليوجه اتهاما خطيرا: «محافظا الشمال (رمزي نهرا) وبيروت (شبيب) أقرا مبدأ الفيدرالية وأسسا جمهوريات مستقلة ولا ينفذان قرارات وزارة الصحة المحالة اليهما بإقفال مؤسسات غذائية مخالفة».

سارع شبيب ونهرا للرد: «المحافظات في الجمهورية اللبنانية الموحدة هي جزء من تنظيمات وزارة الداخلية وترتبط بها وحدها تسلسليا وأما فشل حملة سلامة الغذاء فسببه الرئيسي هو عدم احترام الاصول القانونية ودور الادارات العامة والبلديات ذات الاختصاص والتي تعمل وفق مفهوم دولة القانون الغائب عن إمارة الصحة العامة».

لكن أبو فاعور لم يصوب رده المضاد الا على شبيب. فاتهمه قائلا: «حلم محافظ بيروت أن تفشل حملة سلامة الغذاء، وهي لم ولن تفشل والفاسدون الذين يحاولون الغطس مجددا في مياه النهر نطمئنهم بأنهم لن يغطسوا ولن يمنعوا الحملة.. والإدارات الخاصة لديهم، يغلوها ويشربوا ميتها».

منذ تولي شبيب منصبه قبل نحو سنتين، يمكن رصد مسار «غير ودي» بين الجانبين تخلله «قصف اشتراكي» عنيف وقصف مضاد من المحافظ. باكورة المشاكل بدأت مع الأبنية التراثية لبيروت. يرفع زعيم المختارة الصوت ضد هدم بيوت بيروت التراثية، متهما المحافظ بأنه لا يدري ماذا يحصل وبأنه شبيه بسلفه ناصيف قالوش الذي من المعروف انه استقال من منصبه كمحافظ الشمال وبيروت بالوكالة بعد فضيحة التحرش وارتباط اسمه بملفات فساد.

حينها، أي في كانون الأول الماضي، كان شبيب قد بادر، قبل تصريح جنبلاط، الى اصدار قرار منع بموجبه اعمال الهدم غير المرخصة. لكن مكتبه، وفي رد واضح، أصدر بيانا أشار فيه إلى أن جنبلاط «ربما لم يطلع على هذا القرار»، داعيا الى «عدم اطلاق المواقف غير الدقيقة والظالمة قبل الاطلاع على الحقائق». وأعاد التذكير ببيانه الذي شدد فيه على ان «المحافظ كان قد أوعز بتوقيف الاعمال الجارية من دون ترخيص مع التركيز على ان مسؤولية تصنيف الابنية التراثية تعود الى وزارة الثقافة» واصراره على انه «لن أسمح بالهدم ما دامت وزارة الثقافة تعتبر المبنى جديرا بالحماية».

في المنظار الجنبلاطي، لم يكن ردّ المحافظ العكاري عندها مألوفا من قبل «موظف» في مواجهة زعيم سياسي. في العادة، لا يستسيغ الزعماء أي «حالات تمرد» بل يبحثون عن الموظفين «الأكثر طواعية».

فجأة، دخلت حملة الغذاء الصحي على الخط. في شباط الماضي، تحتل الشاشات قضية مسلخ الكرنتينا الذي يقع بطبيعة الحال ضمن «منطقة المحافظ» أي الحل والربط في يد شبيب الذي بدا كأنه المسؤول عما أسميت في حينه «مطحنة العظم». يصدر المحافظ قرارا بإقفال المسلخ تمهيدا للتأهيل. يرد أبو فاعور ببيان مضاد يتهم فيه المحافظ بأنه «يستغل موقعه للإبقاء على واقع الفساد في المسلخ ودوائر المحافظة وآن له الانحياز الى الاصلاح بدل الانغماس في حماية الفاسدين كي لا نقول الآن أكثر». ويختم: «للحديث صلة بما يندى له الجبين».

انفجرت المشكلة على خلفية اقدام شبيب سابقا على إقفال سوق السمك الذي يقول أحد الموظفين السابقين فيه أن مديره مقرب من «الاشتراكيين». فما كان من المحافظ الا ان أصدر بيانا قال فيه: «التركيز على ما يسمى «مطحنة العظم» قرب المسلخ المؤقت هو لحرف الانتباه عن الاهمال الحاصل في سوق السمك لا سيما انه سبق لمحافظ بيروت ان أقفل «مطحنة العظم» عبر ابلاغه متعهدا لمعالجة بقايا الذبحيات وجوب التوقف عن العمل وازالة ما تبقى منها».

تمدد اطلاق النار الجنبلاطي باتجاه المحافظ على خلفية الأملاك العامة للرملة البيضاء والذي استدعى مرة أخرى ردا من المحافظ بقوله: «الحملة ضدي سببها تسلحي بالقانون».

وفي خضم هذه الاتهامات التي توجه إليه، أرسل شبيب، أمس، كتابا الى حاكم مصرف لبنان طلب فيه أن يبلغ كل المصارف العاملة في لبنان أنه بإمكان أي وسيلة اعلامية أو صحافي أو مواطن معرفة ما يملك محافظ بيروت، «فليس هناك أي سرية على أي حساب مصرفي عائد لي وبالمقابل أتمنى على من يسمح لنفسه أن يطلق اتهامات من هذا النوع المهين أن يتجرأ ويقوم بخطوة مماثلة».