الحوار اللبناني – اللبناني 1943 – 2020:وطن على حد الأزمات (4 /4)
الدعوة إلى الحوار هي الشعار الدائم في لبنان منذ ان كان صغيرا، وبعد ان صار كبيرا ظلت الدعوة الى الحوار هي الشعار الذهبي، حتى ليبدو الامر وكأننا ما نزال نعيش في وطن قيد التأسيس.
وعليه، عند كل ازمة ومنعطف كانت الدعوة:هلموا الى الحوار.. وكانت أيضا الدعوات إلى اللقاء والوحدة..والحوار والتفاهم الخ…هكذا اطلق الرئيس صائب سلام يوما شعار:«التفهم والتفاهم» و«لبنان واحد لا لبنانان»، وعليه اطلقت شعارات:التلاقي الوطني والتفاهم الوطني و شعارات وفلسفات مختلفة على نحو: «العيش المشترك، التعايش الوطني، والتوزان الوطني «وهلم جرا من شعارات ودعوات، فيما كان وما زال المطلوب بكل بساطة الخروج من ذهنية المصالح الخاصة والتحاصص السياسي المذهبي او الطائفي وتوزيع المغانم فماذا في تطورات الحوار اللبناني _ اللبناني منذ اتفاق الدوحة 2008 حتى جلسة الحوار البتراء اليوم في قصر بعبدا.
بعد ازمة استمرت 18 شهرا وفراغ رئاسي استمر من 25 تشرين الثاني 2007 حتى 25 آيار 2008، وانقسامات حادة بين فريقي 8 و14 آذار توجت بأحداث السابع من أيار، كان اتفاق الدوحة الذي أنجز بين أقطاب الفريقين بضمانات عربية حلا لانتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة وحدة وطنية والاتفاق على قانون انتخابي يعتمد قانون 1960، وجاء في نص هذا الاتفاق:
– «اتفقت الأطراف على أن يدعو رئيس مجلس النواب اللبناني للانعقاد طبقا للقواعد المتبعة خلال 24 ساعة لانتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية».
– «تشكيل حكومة وحدة وطنية من 30 وزيرا توزع على أساس 16 وزيرا للأغلبية، 11 للمعارضة، 3 للرئيس، وتتعهد كافة الأطراف بمقتضى هذا الاتفاق بعدم الاستقالة أو إعاقة عمل الحكومة».
– «اعتماد القضاء طبقا لقانون 1960 كدائرة انتخابية في لبنان»، ومناقشة البرلمان «للبنود الإصلاحية» الواردة في اقتراح القانون الذي أعدته اللجنة الوطنية برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس.
وفيما يتعلق بتعزيز سلطات الدولة وحصر السلاح بيدها أشار الاتفاق إلى أن الحوار انطلق في الدوحة وتم الاتفاق على:
– «تعهد الأطراف بحظر اللجوء إلى استخدام السلاح أو العنف أو الاحتكام إليه في ما قد يطرأ من خلافات أيا كانت هذه الخلافات وتحت أي ظرف كان، وحصر السلطة الأمنية والعسكرية على اللبنانيين والمقيمين بيد الدولة بما يشكل ضمانة لاستمرار صيغة العيش المشترك والسلم الأهلي».
– «تطبيق القانون واحترام سيادة الدولة في كافة المناطق اللبنانية».
– «يتم استئناف هذا الحوار برئاسة رئيس الجمهورية فور انتخابه وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وبمشاركة الجامعة العربية وبما يعزز ثقة اللبنانيين».
كما أشار الاتفاق إلى أن القيادات السياسية «أعادت تأكيد الالتزام بوقف استخدام لغة التخوين أو التحريض السياسي أو المذهبي على الفور».
حوارات ما بعد الدوحة وإعلان بعبدا
وبعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، عادت مسيرة الاستقرار فشكلت في عهده اربع حكومات استغرق تشكيلها وصدور مراسيم تأليفها نحو ثلث ولاية العهد، كما شهد العهد 14 جلسة حوار في قصر بعبدا، قامت على نفس الأسس الذي شهدته جلسات الحوار في البرلمان منذ الثاني من آذار 2006، فعقدت الجلسة الأولى في 16 أيلول 2008، وبعد انقطاع عن هذه الجلسات منذ 20 أيلول 2012 كانت الجلسة الأخيرة 31آذار 2014.
وفي الجلسة الأخيرة لم يتم البحث في الاستراتيجية الدفاعية، ولا في «اعلان بعبدا «الذي تم الإعلان عنه في جلسة الحوار التي غقدت بتاريخ 11 حزيران 2010، وجاء فيها: «انعقدت هيئة الحوار الوطني في مقر رئاسة الجمهورية في بعبدا برئاسة الرئيس ميشال سليمان ومشاركة أفرقاء الحوار وقد تغيب منهم: دولة الرئيس سعد الدين الحريري والدكتور سمير جعجع، كما تغيب الوزير محمد الصفدي بداعي المرض.
وبنتيجة التداول تم التوافق على المقررات التي اعتبرت بمثابة «إعلان بعبدا» يلتزمه جميع الأطراف وتبلّغ نسخة منه إلى جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة. خصوصاً البند التالي: تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية والإجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقة، بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم».
وانتهت ولاية الرئيس سليمان من دون ان يتمكن مجلس النواب من انتخاب خلف له فاستمر الفراغ الرئاسي 888يوما، حفلت بالتطورات والحوارات الجانبية، كان ابرزها الحوار الذي رعاه الرئيس نبيه بري في عين التينة بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» حيث عقدت جلسات عديدة اعرب المتحاورون فيها رغبة في عدم التصعيد والعمل على إعادة تفعيل المؤسسات.
آخر الحوارات
بعد انتخاب الرئيس العماد ميشال عون، وما شهدته البلاد من تطورات متلاحقة منذ 17 تشرين الأول 2019، علما ان اتجاه الأوضاع نحو التازم الاقتصادي والمالي بدا مبكرا لا في المرحلة الجديدة، وبهذا قرر الاجتماع، الذي عقد في قصر بعبدا، بعد ظهر الثاني من أيلول 2019، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحضور رئيسي مجلسي النواب نبيه بري والوزراء سعد الحريري، رؤساء الأحزاب والكتل النيابية وممثليهم، إعلان حالة طوارئ اقتصادية
كما أكد الاستمرار في سياسة استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية، وإقرار إطار مالي متوسط المدى، يمتد على سنوات 2020، و2021، و2022، كذلك، أقر خفض عجز الكهرباء إلى 1500 مليار ليرة، والإسراع بإطلاق المشاريع الاستثمارية المقررة في مجلس النواب والبالغة قيمتها 3,3 مليار دولار.
ودعا الاجتماع إلى اقرار مجلس الوزراء، لائحة مشاريع المرحلة المقبلة من برنامج الإنفاق الاستثماري «سيدر»، ومناقشة وإقرار تقرير «ماكينزي» ووضع آلية لتنفيذ التوصيات القطاعية الواردة فيه.
وفي أيار ٢٠٢٠ انعقدت طاولة حوار في قصر بعبدا تحت عنوان اقتصادي بحت، وهدف حصرا الى تأمين الدعم والغطاء السياسي لخطة الحكومة الاقتصادية التي على أساسها سيجري التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولقرارات غير شعبية وموجعة يجب أن تتخذ… وشكل هذا الاجتماع مؤشرا الى إرادة ورغبة لدى الرئيس عون للتدخل في الملف الاقتصادي المالي ومتابعته شخصيا عبر اجتماعات مالية واقتصادية متكررة.
اما في دعوة الحوار اليوم (الخميس )، فانها تختلف عن الدعوتين السابقتين في عهد الرئيس عون، لأنها تتم تحت عنوان «طاولة حوار وطني» لن يكون جدولها محصورا بالأزمة والخطط الاقتصادية والمالية، وإنما يتجاوزها الى البحث السياسي في مجمل الظروف والتطورات، وفي أزمة متشعبة و«سياسية» في العمق، وما يختلف أيضا هذه المرة أن الطاولة توسعت ودعي إليها رؤساء الجمهوريات والحكومات السابقون، وهو ما يحصل للمرة الأولى، لكن السؤال يبقى هل ستنتج هذه الجلسة قمحا في ظل اعلان عدد كبير من المدعوين مقاطعة هذا الحوار ابرزهم الرئيس إميل لحود، رؤساء الحكومات السابقون:سعد الحريري، نجيب ميقاتي، تمام سلام، وفؤاد السنيورة بالإضافة إلى رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية ورئيس «حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
الخلاصة العامة لدعوة الحوار الجديدة، وإعلان مقاطعتها من عدة اطراف تعني ان الخلاف السياسي، وربما حتى الطائفي عاد ليطفو على السطح من جديد، ولن تُطوى صفحته في المُستقبل القريب. حمى الله لبنان.