IMLebanon

إستعادة دولة المؤسّسات أوّلاً

 

يُخشى أن تتحوّل طروحات، من نوع الحياد أو النأي بالنفس، أو ما يُشابهها، وسيلةً لإلهاء الناس عن الموضوع الأصلي الذي ثارت من أجله، رافعةً شعارات إنهاء نظام الفساد وتحاصُص النهب، من أجل دولة ديمقراطية قائمة على مؤسّسات تحترم الدستور، وتلتزم تنفيذ القوانين العامة.

 

والواقع أنّ إستعادة دولة المؤسّسات، التي تلتزم مصالح شعبها وتُحقّق إصلاحات حقيقية في مجالات الإقتصاد والمال والإدارة، وتُمسِك بقرار السلم والحرب، وتُحاسب السارق والناهب من أصحاب النفوذ والمقامات العليا، مُستندةً الى قضاء مُستقلّ وفاعل، وترسم سياسةً خارجية تنطلِق من إلتزام مُطلَق بمصالح لبنان واللبنانيين، المُقيمين والمهجّرين والمهاجرين إلى أصقاع الأرض… انّ استعادة مثل هذه الدولة، هو مطلب وحُلم كلّ لبناني مُخلص لوطنه وحريص على مُستقبل أبنائه، وهو مطلبٌ يختصر جوهر الإنتفاضة التي انطلقت في 17 تشرين، والتي لا تزال مُستمرّة، وستتلاحق خطواتها ما دامت الأزمة تزداد عُمقاً وطُرق الحلّ تُمعِنُ في الإنسداد.

 

سيعني تحقيق شِعار استعادة دولة الناس وللناس، عبر الإصلاح الإقتصادي والمالي، أن حَدّاً وُضِعَ للتركيبة السياسية المُتسلّطة بمختلف تنويعاتها الطائفية والمذهبية. وستعني استعادة دولة المؤسّسات والقانون، إلغاءً لكلّ امتيازات هذه التركيبة في اقتطاع الإدارة ونهب الأموال العامة، والسطو على أموال المودعين من عموم الناس، مُقيمين ومغتربين، وصولاً الى إلغاء المحميّات الميليشيوية، التي قامت وتستمرّ بحجّة عجز الدولة وضعفها، وعدم قُدرتها على حماية الوطن ومواطنيه من العدوان الخارجي، أو من”أطماع” الطوائف بحصص بعضها البعض .

 

ولأنّ هذا هو جوهر إنتفاضة عموم اللبنانيين، تصدّى لهم من هو في موقع السلطة والتسلّط. فهؤلاء الرافضون للتغيير، على اختلاف أحجامهم وقدراتهم، يعرفون أنّ تَحوّل لبنان دولة فعلية، سيقضي على مشاريعهم السلطوية الصغيرة، وسيقطع حبال ارتباطاتهم بمشاريع خارجية طامعة بمواقع قدم في لبنان هُمْ أقدامها، والأهمّ أنه سيحول دون استمرارهم في آليات “زوبنة” المواطنين، وجعلهم مُجرّد أرقام في ماكيناتهم الطائفية والمذهبية الزبائنية.

 

لذلك، لا يجب حرف استهدافات الإنتفاضة عن طريقها السليم بطرح عناوين أخرى، على أهمّيتها، قد تُسهّل لخصوم قيام الدولة خوض معارك هامشية تُنسي المواطن مشكلته الأصلية. صحيح أنّ البحث في حياد لبنان أمر مهمّ، بعد ما عاناه شعبه من شدٍّ وجذبٍ على مدى عقود، لكن علينا ألا ننسى أنّ مسائل أبسط من ذلك بكثير، جرى غليُها وشرب مائها، بدءاً من النأي بالنفس، مروراً بالإستراتيجية الدفاعية، وصولاً الى إعلان بعبدا…

 

فلنبقَ في الإصلاح على قاعدة شعارات الإنتفاضة، علَّهُ يُصبح لدينا دولة، والباقي سيفرض نفسه حُكْماً .