الحكومة مسؤولة عن تنظيم الخراب الوطني، ما من دليل واحد يندرج في خانة الأسباب التخفيفية. هي مُصرّة على رفض الإقتراحات الإصلاحية التي تقّدمت بها الثورة أو المؤسّسات الدولية أو أصدقاء لبنان، بل هي مُصرّة على المضي في الطريق المعاكس، إمعاناً في تشديد القبضة على القضاء، وتهرّباً من إدانة المسؤول الحقيقي عن تدمير الدولة والمؤسسات وانتهاك الدستور والتفريط بالسيادة الوطنية.
لم يكف الحكومة هذا الإجماع العربي والدولي على أنّ باب المعالجة هو الإصلاح السياسي، ولا الإجماع على أنّ الإصلاح الأهمّ هو حيث الخراب الأكبر، الكهرباء. هذا القطاع المسؤول عن نصف الدين العام وعن مُعظم المال المنهوب. والحكومة لا تتراجع عن حماية مافيا المشتقّات النفطية ومافيا التهريب، وحكومة “الكفاءات” سعيدة بالخضوع للنهج الميليشيوي وتنفيذ أوامر أجهزة الأمن الحزبية. هي تتباهى بأنّها تُقرّر في القصر الحكومي أمراً، وتُقرّر عكسه في القصر الجمهوري. إنجازها الوحيد عجزها عن تحقيق أي إنجاز.
المافيا الميليشيوية الحاكمة تُغامر وتُقامر كأنّ الوطن ليس وطنها، ولا المال العام مالها، وكأنّ الشعب الذي تحكمه ليس شعبها. باختصار، كأنّها حكومة إحتلال، وكأنّ على الثورة أن تتحوّل مقاومة لتحرير الوطن، وأن تشقّ الطريق الطويل لإنقاذ البلاد من الإنهيار، من غير أن تتخلّى عن الطابع السلمي، وعن التغيير تحت سقف الدستور.
قدر الثورة أن تتولّى إنقاذ البلاد من الإنهيار، مُتسلّحة بالصبر والنفس الطويل. نعم الثورة هي “أمّ الصبي”، وبات عليها أن تُعيد تنظيم نفسها. إنّها تزخر بالمُناضلين والكفاءات السياسية والعلمية، ولا سيما بين صفوف الجيل الجديد من الشباب والشابات.
في الشهرين الأخيرين، أسفرت النقاشات داخل صفوف الثورة عن تنظيم أكثر من لقاء ومؤتمر وندوة لتجميع الصفوف، وعن أكثر من وثيقة سياسية. التعدّد والتنوّع ظاهرة صحّية، على الثورة واجب حمايتها ورعايتها، توصلاً إلى أعلى مستوى من التنسيق بين مكوّناتها.
يبدأ التنسيق السياسي من الإتفّاق على ما هو مُشترك في برامج المجموعات، على ألّا يتعارض هامش التنوّع، لا مع المبدأين الأساسيين في نشاط الثورة، أي الطابع السلمي والتغيير تحت سقف الدستور، ولا مع البنود المُشتركة في برنامج الثورة.
أما في تنظيم الأطر، وهذا يحتاج إلى أكبر قدر من المرونة السياسية، فالثورة مُطالبة بتوظيف كلّ الطاقات، من الأكثر جذرية في صفوف الثورة، إلى أقلّ المُتضرّرين من نهج السلطة السياسية في صفوف المعارضة وفي المجتمع. الأطر التي تشكّلت مُطالبة بأمرين، التنسيق في ما بينها أولاً، وتشجيع المجموعات الأخرى على التجمّع في جبهات واتّحادات وهيئات، بحيث لا يبقى فرد أو مؤسّسة من المجتمع المدني خارج إطار الثورة.
تتّفق التجمّعات والإتّحادات والهيئات والمؤتمرات والعاميات والمبادرات وكل الأطر على اختلاف الأسماء على تنسيق عملها، كما على التنسيق مع ساحات الثورة كلّها، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وكذلك مع قواعد الأحزاب التقليدية المُشاركة في الثورة، وهو أمرٌ لا يتعارض مع مطلب الثورة بخضوع الجميع للمحاكمة أمام القضاء.
الثورة تنتظر إجراء تعديلات ديمقراطية على النظام كشرط أساس لإعادة تشكيل السلطة السياسية، أمّا في التنسيق بين مكوّنات الثورة، فالديمقراطية شرط لا يقبل التأجيل.