انا من الذين يشكرون الله على كل شيء، ولكنني في شكل خاص اشكره كثيراً على اطالة عمري لاشهد يوم قيام ثورة الشعب في 17 تشرين الاول 2019، واشكره اكثر على عيد استقلال لبنان السادس والسبعين والاستعراض الشعبي المدني المذهل الذي كرّس نهائياً قيام الامة اللبنانية، بالقول والفعل، بدلاً من امة يذكرها الدستور وينص عليها ولم تتحقق يوماً على ارض الواقع.
اولادنا وابناؤنا وبناتنا الثوار، صهروا الطوائف والمذاهب في قالب واحد، هو قالب الكيان اللبناني، لا قالب السنة والشيعة والدروز والعلويين، وحلم الكيان الاسلامي، ولا قالب الموارنة والارثوذكس والكاثوليك، والاقليات الاخرى، وحلم الكيان المسيحي، بل الكيان اللبناني الواحد القوي السيد الحرّ صاحب التاريخ المشرّف…
شباب لبنان ابناء اجيال ما بعد الحرب، هم الذين جعلوا البطريرك الماروني بشاره الراعي، يقول في عظة الاحد، ان القرار الشجاع والحرّ مفقود عن المسؤولين لمصلحة مصالحهم الشخصية وغير الشخصية، ولكنه موجود عند شباب ويأخذونه لمصلحة لبنان، وقال البطريرك ايضاً ان وعود الطبقة السياسية الحاكمة الكاذبة هي اودت بالدولة الى الافلاس.
شباب الثورة وشاباتها ورجالها، سجلوا سابقة لم يسبقهم اليها احد في التاريخ.
لاول مرة في تاريخ لبنان، وربما في تاريخ العالم، تقوم بلدات ومدن وقرى بزيارات جماعية الى بلدات ومدن وقرى بعيدة عنها في كل شيء، ولكن الالتحام في كل شيء يبدأ سريعاً فور اللقاء…
متى كانت طرابلس مثلاً، تهتم بما يصيب جلّ الديب، او العكس بالعكس، ومتى كانت جبيل او البترون او الذوق معنية بما يحصل في صيدا وصور والنبطية والهرمل وبعلبك.
انها اعجوبة الثورة، التي لم تصل بعد الى عقول الطبقة السياسية الهرمة المغلقة على كل خير، وليست منفتحة سوى على الفساد والهدر وافقار الشعب واذلاله.
***
امس الاحد كانت تحصل امور لا يصدقها العقل الا اذا رأها.
ثوار من كل الفئات والاعمار والاديان، نزلوا الى الاملاك البحرية في الناعمة وحارة الناعمة واطراف الجية والدامور، وحرّروا الشاطئ من الذين اغتصبوه، واقتحموا ما كان ممنوعاً عليهم، وامضوا يومهم في الاكل والشرب والتنزه، وانا على ثقة بان جميع الاملاك البحرية والنهرية التي سرقت من الشعب، ستعيدها الثورة اليه، بمثل ما سوف تعيد مرج بسري، وكل شبر من الاملاك المسروقة، لكن المنظر الاحبّ الى القلب والمعبّر بكثير من البساطة والصدق عن معدن هذا الشعب الطيّب، هو مشهد عين المريسة في العاصمة بيروت، حيث توافد الناس من كل مكان لاستراحة مريحة في طقس رائع، حيث الطعام متوفر من مطابخ الناس وليس من مطابخ السفارات، والكل يدعو الكلّ الى المشاركة، بمعرفة وبدون معرفة.
الايام الثلاثة الماضية، اكدّت بكل وضوح، ان الثورة في مكان، وان المسؤولين غير المسؤولين في مكان آخر، وهما اشبه بخطين متوازيين لا يمكن ان يلتقيا ابداً.
ارض لبنان اليوم، تنبت ثواراً.