أناشدكم يا شباب الحراك، شابات وشبان، القيام بما لم يقم به الآباء والأجداد، وأن تتذكروا على الدوام المثل القائل «ما حَكَّ جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك».
أنتم تصنعون ما عجزنا عنه لعقود. أنتم تسعون لبناء وطن يُمثل طموحاتكم وأحلامكم ومستقبلكم، بينما نحن تخاذلنا، وتمادينا في الخنوع، وأصبحنا عبيداً لحُكام أمعنوا فساداً وطغياناً، وِجرِّوا البلد إلى قعر الهاوية السحيق.
كبّلنا القائمون على أمرنا بسلاسل العبودية من الطائفية والمذهبية والمناطقية والزبائنية، بحيث وصلنا إلى قناعة أنه إذا كان زعيمنا وعائلته وزمرته وزبانيته بخير … فنحن بخير! فحاذروا الوقع في الفخ المُميت الذي وقعنا فيه!
حراككم كان حُلمنا بالأمس لكننا تقاعسنا عن تحقيقه أو لم نُحسن العمل للوصول إليه، أما أنتم فانتفضتم بِوجه الطغمة الغاشمة الفاسدة، عزّلاً إلا من إيمانكم وتمسككم بحقوقكم. أنتم وقفتم وتقفون بصلابة بِوجه هذه السُلطة، ولا بد أنكم ستحققون عاجلاَ أم آجلاً حلمكم وحلمنا، بتوفيق من الله.
نأمل أن تتفادوا تكرار أخطائنا القاتلة، وأن تكونوا أكثر نضجاً ووعياً واستعداداً وصلابة، وأن تكونوا يداً واحدة، وأن لا تساوموا إطلاقاً على مستقبلكم.
حذار تحميل القوى الأمنية فوق طاقتها وخلق شرخ بينها وبينكم، وحاذروا التخريب والشتائم، فالقضيّة الشريفة تستلزم أسلوباً ونهجاً ناصعاً. وتذكروا أن الأضرار في الممتلكات الخاصة والسيارات لا تُغطيها شركات التأمين، وإصلاح أضرار الممتلكات العامة ستتحملها جيوبنا. وتعلمون أنه لن يرِفّ جفن السلطة إذا أحرقنا مناطقنا وسوّيناها بالأرض احتجاجاً! وأننا لن نحقق مطالبنا عبر التسبب في الخسائر لأهلنا بسبب التخريب، أو إصابتهم بالاختناق جرّاء الإطارات المحترقة. اعلموا أن هناك خيطاً رفيعاً بين الثورة والزعرنة!
لقد تفنّنت السُلطة في الإلهاء، فانتقل الناس من المطالبة بمحاربة الفساد واستعادة الأموال المحتجزة والأموال المنهوبة واسقاط النظام، إلى مشكلة المفرد والمزدوج لسير السيارات، وسعر صرف الدولار، واقساط المدارس والتعليم عن بعد، وانقطاع الخبز والأدوية والكهرباء والمازوت والكاز وحتى الشموع، واستشراء الغلاء الفاحش، وكل ما يخطر على البال من المشاكل المعيشية وما ينغّص حياة المواطن ويستبيح استقراره وأمنه، ويُشتت انتباهه عن السبب الأساس في بؤسه وتدهور أوضاعه.
إن ما جرى في 17 تشرين 2019 يمثّل تفجراً للغضب والقهر المحتبس في صدور الناس منذ عقود، لكنه غضب يحتاج الى وسائل وأدوات وتنظيم وأهداف لكي يُنتج نصراً وانتزاعاً لمطالبكم.
أن الهدف الأساس للحراك الشعبي هو الإطاحة بالنظام السلطوي الحاكم واستبداله بسلطة شعبية بديلة. لذا فإن الحاجة ماسة وفي أقرب وقت إلى التنسيق وتوحيد الجهود وتقريب وجهات النظر وإيجاد القواسم المشتركة بين مجموعات الحراك العديدة على اختلاف توجهاتها.
إن عفوية الحراك الشعبي لا يعني عدم الحاجة إلى وجود قيادة له، وعلى هذه القيادة ان تحدد الأهداف، وتحدد رؤية واضحة للتحرك، وتحدد الأطر التنظيميّة، وتحدد الطريق الذي نصل عبره إلى هذه الأهداف. ويُستحسن أن تشمل الأهداف بالإضافة إلى النواحي السياسية، الخطط والبرامج المالية والاقتصادية والإنمائية والاجتماعية والخدماتية.
الحراك بحاجة ماسة الى طرح بديل لطرح السُلطة. بديل يحظى بثقة الناس وتأييدهم، ويثير لديهم الحماسة للعمل والمساهمة في إقراره وفرضه.
ويجب الإبقاء والإصرار والتمسّك بالهوية اللبنانية للحراك، ورفض أي تسلل من قوى إقليمية او قوى دولية اليه، والتصدي لأي إملاءات خارج إطار الحراك.
ويتوجب على الحراك العمل على استقطاب الفئات كافة، والتمكن من جعل «كل مواطن خفير» بحيث تُكشف الفضائح، ويُجاهر بأسماء الفاسدين، ويتم التصدي مبكراً للفساد والأعمال المشبوهة والصفقات المريبة. وكذلك التصدي الحازم لأي تعسّف واستغلال للناس في لقمة عيشهم وصحتهم وكرامتهم. ولابد من الاستفادة من جميع وسائل الإعلام والتواصل للوصول إلى أكبر وأعرض شريحة ممكنة من الناس. وقد تعجبون من الكمّ الهائل من الذين يودون المساهمة في الحراك بأفكارهم وقدراتهم وامكانياتهم وليس مجرد الاقتصار على تلبية النزول الى الشارع. هؤلاء عليكم التعرف إلى كيفية استقطابهم والاستفادة من مساهماتهم.
وهناك ضرورة للعمل السريع على إخراج الناس من حالة اليأس والاستسلام الكامل والسعي للهجرة بأي ثمن فراراً من «جهنم»، وتحفيزهم للبقاء والصمود والنضال لاسترجاع حقوقهم المنهوبة.
كذلك على الحراك تفعيل اللبنانيين في داخل لبنان وفي عالم الاغتراب، والاستفادة من جميع الخبرات والعلاقات في الداخل والخارج، خاصة اننا بحاجة ماسة إلى دعم دولي للخروج من الانهيار الذي ساقتنا اليه سُلطة النهب الفاسدة.
إن سياسة الافقار والتجويع المُمنهج للناس أعدمت الطبقة الوسطى بالكامل، وجعلت ثلاثة أرباع اللبنانيين تحت خط الفقر، ونهبت جنى عمرهم وودائعهم المصرفية، وأوقعتهم في أزمة بطالة وجوع، وخلقت لديهم الشعور بعدم الأمان. كما ان تخلي الدولة عن مسؤولياتها، دفع المواطنين مضطرين صاغرين إلى اللجوء إلى «المرجعيات». من هنا يتوجب المثابرة على العمل الميداني والاجتماعي، والعمل التعاوني والتكافلي، للتخفيف من معاناة الناس وانقاذهم من الوقوع في فخ استجداء السُلطة ورموزها واذنابها.
هذه السُلطة هي عدوة لشعبها، جيوبها منتفخة بأموال الصفقات والسمسرات والسرقات، التي حققتها بواسطة سياسة الزبائنية ومافيات التجار والاحتكار والتهريب، ومحميّات الفساد التي تعشعش في مفاصل الدولة كافة. هي سلطة وقحة فاقدة الضمير والإحساس والأخلاق، ولا يرفّ لها جفن امام وجع الناس. مع ذلك لا تزال تسعى إلى الإطباق على ما تبقى من البلد!
أيها الشباب المنتفض، أنتم قادة هذا الحراك والمؤتمنون عليه، وهذه فرصتكم الوحيدة للخروج من النفق المظلم وتأمين مستقبلكم، لذا احذفوا مصطلح الياس من قاموسكم وأدبياتكم، وثابروا على حالة النضال المستمر، وعلى الضغط والتواجد الدائم في الطرقات والساحات (بغض النظر عن العدد)، ولا تحوّلوا تحرككم إلى حالة دورية او موسمية، وكونوا خلاّقين مبتكرين مباغتين في كل تحرك وعملية ضغط.
حوّلوا الغضب إلى ثأر، وزيّنوا الساحات بالمشانق، وتهيّئوا لسحل الظالمين ودكّ أساس سلطتهم ونسف دعائمها، واستبدلوا شتم بالظالمين بالرجم بالحجارة والقصاص والاقتصاص منهم.
وفي حال ارتأى الحراك الشعبي أن الانتخابات النيابية هي الوسيلة لتغيير النظام القائم، فهذا يستدعي سرعة التنسيق والتعاون والائتلاف بين مجموعات الحراك توطئة لخوض الانتخابات النيابية (وكذلك البلدية) عبر لوائح موحّدة. وليكن مطلب تغيير سن الاقتراع إلى 18 عاماً على رأس مطالبكم، كي تتمكنوا من تشكيل لبنان الغد على صورتكم، وبقدر آمالكم ومصالحكم.
واقع الأمر أن الحراك لا يتعامل مع حدث ظرفي ممكن احداث تغيير فيه في فترة قصيرة، بل يتعامل مع أعتى وأفجر واوقح وأقسى سلطة ديكتاتورية بقناع من الديمقراطية الزائفة. لذا لا تنشغلوا بمعايير الإنجازات والفشل، ولا بحسابات الربح والخسارة، ولكن اهتموا بإذكاء شعلة العزيمة والإصرار على متابعة النضال، وتذكروا على الدوام أنه «ما ضاع حق وراءه مُطالب».
نصيحة ورجاء إلى الحراك في معركته غير المتكافئة حتى الان مع سُلطة الفساد: في حال مالت الكفّة إلى جانبكم … لا تَقطَعَنْ ذَنَبَ الأفعى وتُرسِلَها، إن كنتَ شَهمًا فأَلْحِقْ رأسَها الذَّنَبَا.
وأتوجه إلى الحراك الشعبي بالقول: الكلام أضعف الايمان … اتركوا «الختيارية» مثلي يُثرثرون ويُنظّرون، أما أنتم فلكم الحراك والنضال والقتال في الشارع، لأن أملكم الوحيد هو في انتزاع حقوقكم بقوة قبضاتكم واظافركم وأسنانكم.
لا صوت يعلو فوق صوت قرع طناجر الفقراء المسحوقين، ورغم المعاناة والآلام ومهما حدث من تطورات، فإنه لا يُمكن إعادة المارد إلى القمقم.